“أنا ماركسي” حين نلفقها دينيا

جمال حسن


يختبئ البعض وراء أكاذيبه وبما أن أمامه خيارين فسيقوم بخداع نفسه أولا من أجل خداع الآخرين. في الحالة الثانية سيعرف انه كاذب لكن ما ان يحظى بتصديق الآخرين له لن ينجو من خداع نفسه وسيبدأ في تصديقهم. هذا النوع من الكذب لا ينطبق أبدا على وضع دون كيخوتة إذ أنه عاش تصوره الشعري للفروسية من خلال الكتب فأراد استعادة عصر الفرسان الجوالة المنقرض مع ظهور السلاح الناري فكان مع كل جنونه يتقمص دوره الزائف بكل صدق ونبل.
غير أن الماركسية لا يمكن النظر إليها كحالة منقرضة إلا في حدود مجازي للتعبير عن سقوط الشيوعية في الدولة. وبما أن الوجه الراديكالي الذي تم استبداله في الشرق الاوسط اتخذ مسألة الأحياء الإسلامي فسنعثر على مفارقة بإن البعض يحاول تبرير ارتزاقه في موقفه الحوثي باستدعاء ماركس.
لكن هل يوجد تطابق بين المادية الجدلية التي صاغتها فلسفة ماركس التحليلية لنقد البرجوازية وبين الفروسية الخيالية التي نشأ عليها وهم دون كيخوتة¿ لنأخذ الادعاء أنا فارس في قشور ادعائه أنا فارس. فالبعض مازال يعيش هذا الوهم: أنا ماركسي وينتحل هذا الادعاء لنفسه من أجل الدفاع عن جماعات طائفية. وبما أننا في اليمن نعيش أكاذيب كثيرة فسيأتي البعض بعد فترة ويخبرنا عن المفكر الذي يزاوج بين الماركسية والحوثية أو مع أي شيء آخر.
إذ أن ادعاء أنا ماركسي تجد لها تطابقا في قشور ادعاء دون كيخوتة أنا فارس. فعندما كان الأخير أحمق يتوقع كل ما يصادفه يصادفه معركة يستنصر فيها المظلومين يحدث التضارب بين تصوره للمثل والسمات الواقعية للعالم بدعابة عميقة لم تكتف بمسرح التهكم إلا لتصيب خفايا العالم المقنع بزيف التجهم. لكن الماركسي أو الاشتراكي المتوهم بالأحرى ادعائه وهو يبرر ويدافع عن جماعات العنف الديني يلفق المثل على الواقع لتأكيد قيم تقصي الإنسان من نبله. بينما استدعى دون كيشوت النبل الانساني في ظلاله. إنه فرق بين الظلالين.
في الواقع هناك تطابق تهكمي فالبعض ينتحل موقفا ماركسيا للدفاع عن جماعة مسلحة تستدعي حقا إلهيا تريد إعادة إنتاج وضع قروسطي أي تفريغ الحالة السياسية في اليمن بخروج إمام حاملا السلاح في وجه إمام ظالم.
في حماقة دون كيخوتة تحضر مواقف مضحكة تعيد بناء العالم تهكميا. فالتضليل الذي يمارسه متوهم بالفروسية الجوالة دافعة تصور حماية الفضيلة ومناصرة المستضعفين والمظلومين. لكن حماقة مدعيي الماركسية تهبط بنا إلى أجواء سوداوية ليست على غرار كافكا إذ أن سوداوية الأجواء الكافكاوية تصور هذا الإنسان المستلب والمنتهك بفرديته ووجوده أما أنا الماركسي الزائفة فتستنطق عصرنا المنتفخ بحس الانتهازية. إذ إنها تنتمي لنوعي الكذب القائم على زيف الذات والواقع بصورة متساوية.
وجهة نظر ماركس للصراع الطبقي هي أيضا ناشئة عن ثورة سياسية عاصفة صعدت فيها الطبقة البرجوازية على حساب الارستقراطية. كما كانت ثورة صناعية مع ظهور البخار والآلة وبروز طبقة العمال كما بدأت تبرز طبقة أخرى من أصحاب الياقات البيضاء مع توسع الدولة البيروقراطية وتوسع الأعمال المكتبية.
وبما أن سرفانتس أراد في كتابه متهكما على أدب الفروسية المليء بالمبالغات إنشاء فن واقعي التي سارت عليها الرواية فافترض الوهم في ثوب المدقق التاريخي وإن حصلت أخطاء مثل نقض وقائع في فصول أخرى فقد تعمد ذلك من اجل ايجاد ارضية يبني عليها منهجية السرد من وجهة نظر مؤرخ فاحص ومدقق على مخطوطة كتبها سيدي أبو حامد الايلي المغربي الذي استدعاه باعتباره سارد قصة دون كيخوتة. لكنه مع ذلك بما أنه لم يصحح كثيرا مخطوطته فقد وجد نفسه متغافلا عن الإشارة إلى كل تلك الأخطاء مع أنه أشار لبعضها.

قد يعجبك ايضا