صنعاء.. وحرب الظلام المقيم
محمــد محمــد إبراهيـــــم
محمــد محمــد إبراهيـــــم –
ماذا أحدöث عـنú صنúعـاء يـا أبتöـي ¿ / ملöيحـة عاشöقاهـا : السöـل والـجـرب
ماتـتú بöصنúـدوقö «وضاح» بöـلا ثمـن / ولمú يمتú فöي حشاها العöشúـق والطـرب
في مطلع السبعينات حمل البردوني هذا البوح الأليم من صنعاء إلى مهرجان أبي تمام بالمربد في العراق الشقيق ليوصل هذه الشكوى العصماء إلى أبي تمام الذي وافته المنية في الموصل قبل ألف عام من تاريخ ذلك المهرجان..
لقد بث حزنه – لأبي تمام- على صنعاء المصابة حينها بالسل من الداخل أي من رئة الروح إذا كانت تتحشرج بصراعات قوى النفوذ على السلطة وبالجرب من الخارج أي آثار حروب الحصار والتصفيات والدمار التي بانت على مظهرها العام..
ما الذي كان سيقوله البردوني اليوم لو كان حيا والظلام يعاقر صحو صنعاء ساعات طوال من الليل ومثلها في النهار ليقتل الفرح والأمل في نفوس ساكنيها ويعطل مسيرة الحياة في المنزل في الورشة في البقالة وفي أبسط المحال التجارية والمهنية..
لا استطيع التقدير بما سيقوله لكني على ثقة كبيرة وقد قرأت الكثير أنه قال ما يكفي تعبيرا عما يجري اليوم في صنعاء من اغتيال الضوء والجمال قبل موته وفي أكثر من مقام وقصيدة عصماء لا يتسع المقام لذكرها.. فقط من أشهرها “صنعاء والموت والميلاد”:
(هل تدري صنعاء الصرعى / كيف انطفأت ¿ ومتى تنشرú ¿
كالمشمش ماتت واقفة / لتعد الميلاد الأخضر
تندى وتجف لكي تندى / وترف ترف لكي تصفر
وتموت بيوم مشهور / كي تولد في يوم أشهر
ترمي أوراقا ميتة / وتلوöح بالورق الأنضر
وتظل تموت لكي تحيا / وتموت لكي تحيا أكثر)
صبيحة الجمعة الماضية تذكرت بحزن بالغ هذه الالتفاتات الشعرية التي تعب من حزن صنعاء إذ يصفدها الظلام.. خرجت الساعة الحادية عشرة ليلا لعلي أتنفس ضوءا كالعادة حيث ينطفئ الضوء في المنازل وتبقى الشوارع منارة لكني تفاجأت بشارع الزراعة خواء من الظلام إلا من سيارات خافتة تزيد الجو وحشة بجنون السرعة..
غير ذلك لا حركة لا ضوء لا ماء ما الذي تبقى يا صنعاء..¿! حين تصير الروح محبوسة في قيود الظلام ويصير القلب ذبيحا على عتبات الانتظار لإضاءة تأتي من شطوط جنوب الربع الخالي الذي كان جنتين لأبناء سبأ فتحول غيلة بخطاياهم إلى ( جنتيúنö ذواتيú أكل خمúط وأثúل وشيúء مöنú سöدúر قلöيل)..
واليوم ما الذي عملته أبراج الكهرباء وغازية مارب لتخرج عن خدمة المجتمع وتعطل حياة الناس..¿! .. تداعى الظلام على صنعاء خلال الخميس والجمعة والسبت انتظرت الفرج كغيري من سكان صنعاء حي الزراعة بأن تعود التيار إلى المنازل في الساعات المتأخرة من الليل صبيحة الجمعة لكن للأسف ظل القلق هو سيد الموقف لدى الناس الكل يتصل للبعض ويسأل وخدمة الطوارئ التي توجد في الفاتورة لا ترد والخزانات في سطوح المنازل تنتظر مشروع المياه لكن من المحال أن يأتي في ظل انقطاع التيار وإن أتى إلى الخزانات الأرضية فالتيار ضروري لرفعها إلى السطوح..
قبيل الفجر أضاءت الكهرباء لكن لا أحد يعلم كم أستمر الضوء.. فقط الظلام هو ضيف البيوت من صباح يوم الجمعة وحتى الساعة الثالثة عصرا لتنقطع بعد ذلك الساعة الخامسة لعصر يوم الجمعة الماضية حتى صبيحة السبت وحتى الهواتف قاتلت وصمدت حتى الرمق الأخير بفعل الواتساب والبرامج الحديثة لكن آخر رسالة وصلتني على الهاتف في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل قبل انطفائه القهري هي :” خروج غازية مارب بأكمله عن الخدمة “..
حاصرتني الوحشة كما حاصرت أصحاب المحلات الجارية والمنازل وغيرهم وأصبح الجميع على سبت ملبد المزاج ومحبط الآمال.. تساءلت بحزن كبير.. هل على السكان أن يغادروا في هجرة جماعية إلى شط واد غزير المياه والضوء والخصب والزرع ¿!..
لا لا .. بل على الجميع أن يقف صفا واحدا أمام صلف التخريب والحقد والإرهاب مهما كانت التضحيات..
mibrahim734777818@gmail.com