تجديد الأهداف الوطنية
عبدالرحمن مراد
مقالة
في أحيان كثيرة نجد أنفسنا محاصرين بأسئلة “جديدة” وبأهداف ثقافية “جديدة” لكننا للأسف نتعامل مع القضايا والأهداف والأسئلة بترف ذهني يصل إلى حد الإهمال وهو أمر كما نرى غير محمود ولا يتفاعل مع الزمن فالصورة النمطية للأشياء والمفاهيم والعلاقات والتصورات الخاطئة الحادثة بفعل ردة فعل سياسية وفي ظرف زمني بعينه قد تصبح هي الغالبة في جل تفاعلاتنا وأحكامنا على الآخر وقد سبق لنا القول أن واقعنا يتطلب رؤية تفكيكية قادرة على تشخيصة ومعرفة أبعاده وكوامنه وإشكالاته والوقوف أمامه لوضع الفرضيات والمعالجات وفق رؤى علمية بحثية يتخذها التأصيل النظري مرتكزا له وبحيث نتمكن من تجاوز إشكالات اللحظة وألمها إلى نقطة مستقبلية فارقة تحدث متغيرا فعليا لا استبدالا أو اجترارا.
وقد سبق لي القول أن اليمن هي في أشد الحاجة إلى ثورة ثقافية حقيقية تعيد ترتيب النسق الحضاري والثقافي وتعمل على تحديد المفاهيم وصياغة أهداف جديدة فالذي يحدث هو أننا واقعون تحت تأثير سياق من التلقي والاتصال باعتبارهما وسيلة تفاعل أساسية بين الجماعات والأفراد للتحكم بالأنظمة المادية والرمزية في السياق التاريخي والثقافي إلى درجة أننا نتقبل الحدث ونعيد انتاج دلالته في وسط زمني مغاير وهو الأمر الذي يجعلنا في تيه دائم وفي حالة اغترابية مستمرة عن واقعها علينا التفكير فالمجتمعات التي من حولنا حصلت على ميزات اجتماعية من القوة والثروة والمهارة والعقلانية ونحن ما نزال ندور حول أنفسنا ونستغرق أنفسنا في الذاتية المفرطة لنخلق منها قداسة وسلطة ومرجعية في حين أننا عاجزون عن ملء الفراغ الحقيقي الذي يشتهي الامتلاء ونقف في تمترس عجيب وراء الصورة النمطية في أذهاننا عن أنفسنا وعن الآخر فنحن نغضب على المملكة العربية السعودية إذا اتخذت إجراء يتوافق ومنهجيتها السياسية والأمنية والاقتصادية وتضرر منه المغترب اليمني ونقيم الدنيا ولا نقعدها وفي المقابل فنحن لا ننظر إلى الإجراءات الاحترازية لبعض دول الجوار أو الأقليم بنفس الحساسية التي تحدث مع المملكة فنحن نتقبل الحدث السعودي ونعيد انتاج دلالته وفق معتقداتنا التصورية النمطية في وسط زمني مغاير لمجرد تشابه الأسباب والدوافع إذ أن سياق التلقي والاتصال فرض تحكما ماديا ورمزيا في سياقين تاريخي وثقافي بدليل أن لنا إشكالات مع غير السعودية لكنها لا تثير حساسيتنا مطلقا وثمة تشابه مع غير السعودية من حيث الأثر أو التأثير وأمام كل ذلك نجد السعودية هي الدولة الأكثر حرصا على اليمن والأكثر عطاء ومساندة فهي رغم جفوتنا لها وتحسسنا منها حاضرة في كل المشاريع الإنمائية من الطريق إلى المستشفى والمعاهد والمنح الدراسية والعلاجية وهي تنفق في المستشفى السعودي بحجة أضعاف ما تنفقه الموازنة العامة للحكومة اليمنية في عام مالي كامل ولا نجد في عموم اليمن منشأة صحية تقدم خدماتها الصحية بجودة عالية وبمهنية وتقنية حديثه ومتطورة كتلك التي يقدمها المستشفى السعودي بحجة ولولا حرص المملكة على إدارة المستشفى وتحمل عبء موازنته لأصبح الآن في عداد المرافق الأخرى التي تعجز عن تقديم الخدمات اللازمة للمواطن اليمني بالإضافة إلى دعم ميزان المدفوعات وحرصها على عدم انهيار الدولة في اليمن.
علينا الاعتراف نحن اليمنيين أن تفكيرنا غاب عن بناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم وبناء مجتمع حديث كما يقول المفكرون يتطلب مؤسسات حديثه لا إيديولوجيات حديثه وسلطة حديثه لا غايات حديثه ومفاهيم حديثه تتجاوز سياقها التاريخي والثقافي وسلع حديثه لا أساليب منحرفه حديثه يقول أحد الفلاسفه: إن التفكير النقدي تفكير تأملي فاحص لما يطرح من آراء ومسائل بغرض قبولها أو رفضها أو تصوبيها وكذلك بغرض تعلم مفاهيم جديدة وممارسة رقابة ذاتية على ما نفعله أو نعتقد فيه وهو مايزيد من احتمال تحقيق نتائج مرغوبة وحتى نتمكن من الخروج من دوائر الصور النمطية في أذهاننا لا بد من التعامل مع الواقع كما هو في حقائقه الموضوعية وبحيث يكون المقروء معاصرا لنفسه على صعيد الأشكالية المعروفة وفقا لظروفه الاجتماعية والسياسية وتفاعلنا يكون من حيث فهمه ومعقوليته لا من حيث سياقات تلقيه النمطية.
ما أخلص إليه هو القول بكيفية اعترافنا بالواقع وبالآخر والتخلص من تلك النمطية وإعادة صياغة أهدافنا الثقافية وبما يمكننا من بناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم.