سؤال النهضة الوطنية

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - 
علينا أن ندرك أن مخرجات الحوار الوطني لم تكن إلا تعبيرا عن سؤال النهضة الوطنية الذي استمد شرعيته من حركة تاريخية معقدة تصارع فيها السياسي الاجتماعي والاقتصادي

علينا أن ندرك أن مخرجات الحوار الوطني لم تكن إلا تعبيرا عن سؤال النهضة الوطنية الذي استمد شرعيته من حركة تاريخية معقدة تصارع فيها السياسي الاجتماعي والاقتصادي الثقافي بأدوات مختلفة ولأسباب متباينة لذلك كانت طبيعة الحوار تدور حول السلطة والمجتمع والثقافة والاقتصاد والفلسفة والتاريخ وقد تعددت القراءات من متطورات المدارس الفكرية المختلفة الإسلامية (بتعدد مدارسها) والماركسية والليبرالية والقومية ذلك لكون الموضوع –أي موضوع سؤال النهضة- كان يرتبط بإشكالات مصيرية كالوحدة والتراث والتقدم والديمقراطية والعقلانية والحداثة والمعاصرة والأصالة.
وأمام مثل ذلك تتطلب المرحلة البحث في طبيعة المرحلة الفاصلة والتاريخية التي أفرزت تباينا وفرضت سؤال النهضة على طاولة الحوار وسؤال النهضة الوطنية على علاقة جدلية بسؤال الأزمة إذ أن الأزمة الوطنية بشروطها ومظاهرها وآلياتها ومضاعفاتها ظاهرة كلية معقدة وهي بالضرورة أزمة واقع وأزمة فكر يقول الدكتور غالي شكري في كتابه “دكتاتورية التخلف العربي”.
فالتفكير في النهضة يعني التفكير في الأزمة أسبابا وآليات ونتائج وكيفية القطع معها وتجاوزها وهذه المسألة تطلبت عملا وتفكيرا مستمرين منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ولم يحسم فيها بعد معرفيا وسياسيا وعمليا وذلك بالارتكاز إلى الوضع العام لفكر العرب المسلمين ومجتمعهم في القرن العشرين من تبعية وتخلف وتجزئة وهدر إمكانات وطاقات وتهميش لقوى التغيير.
ووفقا لطبيعة الإنسان في اليمن فإن حضور سؤال النهضة في عملياته النفسية والذهنية يرتبط بأجهزة السلطة السياسية ونوعية علاقاتها بحركة المجتمع وحركيته وتفكيره وردود الفعل العام فالسؤال في جل ضروراته يبحث في السلطة السياسية والعلاقات الاجتماعية فالسؤال النهضوي في جوهره موضوع سياسي في المقام الأول فهو يضع السلطات والسلطة والسياسة والسياسي والحكم وأدواته وتفاعلاته موضع التساؤل والسؤال نظرا إلى تعدد المرتكزات والمرجعيات النظرية الحضارية التاريخية وتنوع القوى الاجتماعية السياسية في المشهد الوطني فسؤال النهضة الوطنية موضوع أو قضية كلية متكاملة المعطيات والأبعاد فالصراع الذي استمد السؤال النهضوي شرعيته منه يفترض به أن يتخلى عن أدواته وآلياته القديمة وعليه أن يتجه إلى البعد المعرفي فيطرح سؤال النهضة في التاريخ والفكر والسياسة والحضارة والاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية والاقتصاد السياسي والفلسفة والعلاقات السياسية بعد أن تفاعل مع هذا السؤال من خلال حالة التفكيك للبناءات وخاض الصراع الدامي ووصل إلى خلق حالات جديدة وتلك الحالات الجديدة حملت روح التوازن الاجتماعي والسياسي وهي تتهيأ الآن لتقبل الواقع الجديد الذي تنتظر منه إعادة ترتيب شكل العلاقة الجديدة بين الدولة والمجتمع وبرؤية ذات توافق وتناغم مع سؤال النهضة الوطنية ومثل ذلك أمر لا يمكنه الحدوث دون تفاعل السلطة السياسية مع هذا السؤال الذي يقع بين فكي قلة المقول والمكتوب حوله وبين إهمال السلطة وغيابها عن التفاعل معه فهو غائب في الخطاب السياسي الرسمي وفي الحركة الفكرية والفنية والأدبية والثقافية وهو أكثر غيابا في الخطاب السياسي المعارض وفي الخطاب الاكاديمي العلمي وغياب سؤال النهضة المرتبط بعلاقة جدلية بسؤال الأزمة يراكم الأزمات ويواجه باستمرار بمسائل ومشاكل جديدة تزيد الركام السابق لها تعقيدا.
ومن هنا تكون مؤسسة الرئاسة معنية بشكل مباشر وقوي بهذا السؤال من حيث تحديث علاقاتها بحركة المجتمع وتوجيه حركيته وتفكيره من خلال تكثيف حضور السؤال في الحركة الفكرية والأدبية والفنية والثقافية وفي الخطاب السياسي الرسمي والخطاب الإعلامي ومثل ذلك لا يتطلب جهدا كبيرا بقدر ما يتطلب اهتماما واشتغالا وترميما للعلاقات المتصدعة بين السياسي والمثقف وبما يسهم في خلق بيئة ملائمة لإثارة السؤال في الاشتغال العام ومن خلال السؤال نحدث الانتقال الذي نتحدث عنه ليل نهار في وسائطنا الإعلامية وفي النقيض المقابل لا تجده واقعا محققا.
وبالتوازي مع مؤسسة الرئاسة فإن القوى السياسية والاجتماعية معنية بهذا السؤال وبإثارته ومعنية أيضا بالتفاعل مع نصوص مخرجات مؤتمر الحوار وبما يمكننا من الوصول إلى الدولة المدنية العادلة التي ننشدها ولن نصلها إلا بإثارة سؤال النهضة.

قد يعجبك ايضا