الأسطورة
محمد المساح
المقاومة اللبنانية في الملحمة وستدخل تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في وصفها إحدى أكثر لحظاته تراجيدية كما أنها ستكون أحد فصول هذا الصراع الذي اتخذ لنفسه أسماء متعددة لكنه مستمر طالما استمر الظلم الصهيوني.. هذا ما يشير إليه الكاتب والأديب “إلياس خوري” في أحد كتاباته وهو يصف قوى المقاومة والبطولة التي صنعها الفلاحون في جبل عامل وقرى الجنوب اللبناني: لا تحتاج الأسطورة إلى دليل يكفي أن تذهب إلى الجنوب كي تراها إنها الحكاية التي لم تكتب ربما لن تجد كاتبها بيوت مهدمة طرقات محفورة بالقذائف وصمت هناك.. في طرقات القرى تستمع إلى صوت الصمت ولتكشف إيقاعات الهباء.. وترى البطولة بطولة تتجسد أمامك وتأخذك إلى قممها العاليات.. بطولة صنعها فلاحون من جبل عامل لا يظهرون إلا ليختفوا ولا يحفلون بالمواكب.. جنوب لا ترى فيه سلاحا لأن الرجال زينة السلاح وليس العكس.. تمشي فوق الركام وتشعر بدبيب أنفاق لا تراها عالم من السحر والخراب عالم من المآسي المجبولة بأحلام قديمة نسيناها أو أدعينا ذلك.. أصاب “عباس بيضون حين تكلم عن بطولة في غير أوانها”.
عن فيتكونغ لبنانيين تأخروا ثلاثين عاما.. لكنهم جاؤوا ولا يسعنا سوى استقبالهم مثلما يليق بالذاكرة أن تفتح أبوابها قبل أن تنطفئ لا تحتاج الأسطورة إلى دليل لأنها تدل على نفسها وتجعلك عاجزا عن الكلام ماذا تقول لروائح البيوت التي إبتلعها الركام¿ ماذا نقول لوديان لا ترتوي من دماء الفلاحين¿ ماذا تقول لقلعة “الشقيف” التي تقف في الريح هازئة بالغزاة والضحايا¿ ما جرى في جنوب الحرب كان أسطورة والأسطورة لا تفسر في زمنها وبزمنها الأسطورة ابنة التأويل وصانعته في آن معا وهي لا زمنية حتى المكان يصير عصيا على التحديد ويتخذ ملامح قارئه.