ليس رفضا لخيار الأقاليم ولكن مساهمة في ترشيده
د.عبدالواحد العفوري
خيار الأقاليم وطبيعة الأزمة الشاملة وجوهر التحدي الرئيسي
ما نسعى إليه هو ترشيد وانضاج خيار الانتقال من “الدولة” اليمنية الأحادية القائمة إلى الدولة الاتحادية القادمة بحيث يوفر العمل بهذا الخيار الوسيلة المثلى للتوصل إلى حلول للمشكلات والتحديات التي تواجهنا هذا هو المعيار الأبرز الذي ينبغي ان نقيس ونقيم على ضوئه ملاؤمة وسلامة وجدوى خيار الدولة الاتحادية فهو ليس غاية بحد ذاته وانما المحك هنا هو إلى اي مدى يمكن للنموذج الاتحادي للدولة ان ينجح في تأمين الضمانات القوية لبناء وتوفير القدرة الوطنية ( تمييزا لها عن “الضمانات” التي “توفرها” مصادر خارجية دون ادنى تفريق فيما بين هذه المصادر) الكافية للحسم –بافتراض أسوأ الاحتمالات- للتصدي لأي تهديد يمكن ان يمس وحدة اليمن الكبير أرضا وإنسانا ونظاما سياديا واحلال التناغم والتكامل بدلا عن التعارض والتصادم فيما يتصل بتحقيق اهدافنا في الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه من جانب وتحقيق الاستقلال الذاتي التشريعي والتنفيذي والقضائي لكل إقليم على حدة من جانب آخر وذلك تحت سقف الدولة اليمنية الاتحادية باعتبارها التجسيد الحي الملموس للهوية الوطنية اليمنية الجامعة. ان جاذبية النموذج الاتحادي للدولة ستتحدد من خلال قدرته وفاعليته في تفكيك وحل التحدي الرئيسي والمشكل المحوري الذي يواجهنا في ظل “الدولة” الأحادية القائمة والمتمثل في غياب العدالة والمواطنة المتساوية وحكم القانون وما ترتب عليه من تركيز وتركز للسلطة والثروة في دائرة ضيقة من مراكز النفوذ “العسكرية” و”القبلية-العشائرية- الأسرية” والوجاهات “الدينية” و”الحزبية” و”البزنس” فرضت هيمنة محكمة على السلطة والثروة ومارست احتكارهما وتوظيفهما في خدمة مصالحها الأنانية الضيقة هذا في جانب من المشهد بينما في الجانب الآخر منه نرى تراكما صورة تفوق الخيال لمعاناة جموع الشعب اليمني الذي وجد نفسه يغرق في الحرمان بكل صنوفه مغيبا بصورة شبه تامة عن أي مشاركة حقيقية في مسائلة أهل السلطة أو محاسبتهم أو تنصيبهم أو عزلهم ومقصيا من الحصول على اقل القليل من نصيبه في ثروة بلاده يحاصره الفقر والجوع والمرض والبطالة وتردي وغياب الخدمات بما في ذلك الأساسية منها التي أصبحت الحياة من دونها في هذا العصر جحيما حقيقيا على الأرض..هذا هو جوهر التحدي الرئيسي والمشكل المحوري الذي “قصم ظهر اليمن وشعبها” وأودى بنا إلى هذا المنحدر السحيق الذي يتجرع مرارته ويعتصر آلامه مايزيد عن 90% من أبناء الشعب اليمني وليست الأزمة اليمنية العميقة والشاملة التي تعصف باليمن في مختلف مناحي حياته ووجوده منذ سنوات إلا التعبير الخارجي الظاهر الملموس لهذا التحدي الأساسي والمشكل المحوري حيث تراكمت عواملها ومفاعيلها عبر الزمن حتى وصلت إلى اندلاع تلك الاحتجاجات الشعبية العارمة التي عمت ربوع الجغرافيا اليمنية المترامية الأطراف العام 2011م مطالبة بإسقاط السلطة الحاكمة وعلى الرغم من ما آلت اليه تلك الاحتجاجات والمصادمات -التي كادت ان تطيح بما هو قائم من مظاهر”الدولة” على هشاشتها ومحدوديتها- من تطورات فإن العوامل التي ادت إلى اندلاعها مازالت تقريبا قائمة كما كانت فالتسوية السياسية التي وان نجحت في تحويل مجرى الازمة اليمنية الشاملة المذكورة إلى أزمة بين فرقاء “العمل السياسي” في “السلطة “و”المعارضة ” وفي وضع حد مؤقت لكارثة الانهيار الوشيكة فإن الحل الجذري المستدام لجوهر الأزمة الشاملة (التي تراجعت مؤقتا بكامل هيئتها إلى خلفية المشهد) لايزال بعيد المنال وهو مرهون بدرجة رئيسية بأن يلتقط اليمنيون زمام المبادرة بعد الآن (بعيدا عن املاءات ورغبات الآخرين في الاقليم والعالم) وان يمضوا قدما لإعادة بناء دولتهم بأوسع مشاركة ممكنة وذلك على أسس العدالة والمواطنة المتساوية وحكم القانون فهذا ولا شيء سواه هو مفتاح الحل الشامل والدائم لمواجهة التحدي الرئيسي الذي يقف أمام اليمن واليمنيين والذي من دون التصدي الجاد والواعي والشجاع والحقيقي والشامل له فإن وحدة اليمن وأمنه واستقراره وازدهاره ستظل عرضة للتهديد المستمر وعليه ووفقا لهذا السياق تحديدا علينا ان ننظر إلى خيار النموذج الاتحادي للدولة بمختلف جوانبه وتفاصيله بما في ذلك بالطبع عدد الأقاليم ومكوناتها الجغرافية والبشرية بما يضمن اكبر قدر ممكن من التوازن والعدالة في تشكيل هذه الأقاليم من النواحي المتعلقة بالمساحة وعدد السكان والموارد الطبيعية والقدرات الاقتصادية المتنوعة وغير ذلك من الجوانب حتى لا نؤسس لمعادلة مختلة ” للتنافس” بين هذه الأقاليم وحتى نستبعد بصورة محكمة كل ما من شأنه ان يغذي مصادر