شجاعة الصداقة

• «قرينان شجاعان» هذا عنوان كتاب عن صداقة حميمة استثنائية بين شخصيتين كبيرتين عرفهما القرن العشرون ونالا شهرة عالمية. هما عالم الأحياء الشهير جاك مونو والفيلسوف والروائي الشهير البير كامو. ويتحدث فيه مؤلفه أستاذ علم الأحياء والمورثات في جامعة وسكنسون ـ ماديسون “سين ب. كارول “عن لقاء” رجل علم وفيلسوف ومغامرتهما الجسورة في صفوف المقاومة الفرنسية حتى جائزة نوبل للاحتلال النازي كما جاء في العنوان الفرعي.
يحدد سين ب. كارول المؤلف القول منذ البداية أن القاعدة الأساسية التي جمعت بين رجل العلم جاك مونو والفيلسوف والروائي البير كامو والتي قامت عليها تلك الصداقة تمثلت في “القناعة المتبادلة” بضرورة خوض المعارك ضد جميع أشكال الاضطهاد.
والرجلان كانا قد لم يكتفيا بخوض معارك الفكر والمعرفة لكنهما خاطرا بحياتهما عندما خاضا معركة النضال ضد الاحتلال النازي لفرنسا خلال السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية حيث كانا عضوين فاعلين في صفوف المقاومة الفرنسية.
لكن معركتهما لم تنته في الواقع مع نهاية الاحتلال النازي لبلادهما ولكن بدأت معركة حياتها في مقارعة القمع مهما كانت مصادره. هكذا وجها نقدهما العنيف والعلني لسياسات القوتين العظميين اللتين برزتا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أي الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأميركية.
ويعود المؤلف في ربطه بين مساري عالم الأحياء والفيلسوف إلى عالم الكتابة الذي كان لكل منهما باع طويل فيه “حسب الاختصاص”. إنه يرى فيما كتبه جاك مونو في عمله الشهير الذي يحمل عنوان “الصدفة والضرورة” نوعا من تبني الآراء التي كان قد عرضها البير كامو في عمله الشهير أيضا الذي يحمل عنوان “أسطورة سيزيف”.
لكن مونو وسع من أفق معالجته لمسألة “مكانة البشرية في الكون الذي نعيش فيه “داعما ذلك بمجموعة من البراهين العلمية” كما يشير المؤلف بتعبير آخر “عمق ” مونو “علميا” ما كان قد قال به كامو “فلسفيا”. بهذا المعنى أيضا يتحدث سين ب. كارول عما يسميه “التأثير المتبادل ” بين “القمتين”.
تتم الإشارة في مقدمة هذا العمل أن الكتب التي كرسها أصحابها لسيرة البير كامو لم تذكر سوى واحدة منها وهي عديدة اسم جاك مونو والإشارة أيضا أنها “ذكرته عرضا”. مثل ذلك “التجاهل” أثار لدى المؤلف فضول البحث عن حقيقة عمق العلاقة بين الرجلين. وحصل في بحثه عن صورة لرسالة كان كامو قد بعث بها لمونو أكدت له عمق تلك العلاقة.
وعكست تلك الرسالة بوضوح مدى “الحميمية” و” حرارة الصداقة” بين الإثنين. كان ذلك بالطبع دافعا مشجعا للذهاب أبعد في البحث ورسالة من مونو إلى كامو ثبتت ما جاء في الرسالة الأولى. وإشارة المؤلف أن جاك مونو لم يختر صدفة في تصدير كتابه جملة كان قد كتبها البير كامو ومفادها ” أعمى يرغب رؤية الأشياء لكنه يعرف أن الليل لا نهاية له”.
ويربط المؤلف أحد الأسباب الرئيسية التي وطدت الصداقة بين البير كامو وجاك مونو بالسياق الزمني الذي تعززت فيه وهو يقدم العديد من الأدلة على أن تلك الصداقة تعززت في الفترة التي كانت علاقة كامو بصديقه القريب لسنوات طويلة الفيلسوف جان جاك روسو هي بصدد التردي. يحدد المؤلف سبب ذلك في معارضة كامو لستالين ولسياسة القمع التي مارستها السلطة الشيوعية آنذاك. كان مونو يشارك كامو العداء نفسه.
كذلك يرى المؤلف في تجربة الحرب العالمية الثانية التي عاشاها إطارا جمع بينهما حول العديد من القضايا المشتركة. ولا يتردد في إضافة القول إن تلك التجربة في الحرب ساهمت كثيرا في صياغة شخصية وآراء كل من مونو وكامو. وهما ساهما بدورهما عبر أفكارهما في صياغة العالم.
وبعيدا عن سياق الحرب وعن الظروف المعاشة التقى الرجلان حول عدد من التساؤلات “الغامضة” التي بدت لكل منهما تستحق البحث عن إجابات. بالنسبة لكامو المعروف بتوصيف “فيلسوف العبث” كان التساؤل الكبير الذي يدور حوله عمله الفكري كله يتعلق بمعرفة إذا كان للحياة معنى محدد. أما جاك مونو فكان السؤال المحير بالنسبة له هو محاولة استكشاف مسارها “علميا”.
من خلال المقارنة بين المسارين يصل المؤلف إلى القول إنهما “وصلا إلى منظور مشترك عبر طريقين متباينين”. لكنهما أكدا معا على أهمية “الحرية” كقيمة إنسانية عليا. هذا “الهم المشترك” وحد بينهما. والرجلان تبادلا سيلا من المعلومات حول العالم الذي كان يحيط بهما ويطرح عليهما الكثير من التساؤلات التي ظل الكثير منها دون إجابات قاطعة.
المؤلف في سطور
سين ب. كارول هو أستاذ علم الأحياء المتعلق بالخلايا والمورثات في جامعة وسكنسون ـ ماديسون وأحد المرجعيات العلمية المعترف بها دوليا في مجال علوم الحياة والمورثات يقدم العديد من المساهمات في الصحف والدور