عن تجربة التعليم العالي في هولندا
د/ عبد الله علي الفضلي
سنحت لنا في الأسابيع القليلة الماضية فرصة نادرة في لقاء إذاعي مباشر ومثمر جمعتنا فيه الإذاعية المتميزة جميلة عبيد التي تعمل بإذاعة صنعاء البرنامج العام حيث بثت الإذاعة لقاء مشتركا مع إذاعة هولندا (هلفرسوم ) الدولية وكان البرنامج يدور حول التعليم العالي في مملكة هولندا وما هي المعايير والمواصفات والمؤهلات التي على ضوئها يتم قبول الطلبة في الجامعات الهولندية البالغ عددها خمس مائة جامعة حكومية وخاصة . وكان من المشاركين والمتحدثين في البرنامج أحد المذيعين العرب في إذاعة (هلفرسوم) وهو مغربي الجنسية والمذيع الآخر من بلاد الشام .
وحينما سألنا أحد المذيعين أن يعطونا فكرة موجزة عن التعليم في هولندا والمشكلات والصعوبات التي تواجه الطلبة الهولنديين قبل وأثناء التحاقهم بإحدى الجامعات الحكومية فقال: إن نظام التعليم في هولندا يختلف كلية عن معظم الدول الأوروبية, فعلى سبيل المثال فإن 85% من مخرجات التعليم الثانوي هي مخرجات مقننة بحيث لا يسمح بدخول الجامعات إلا بنسبة 15% فقط من الخريجين في الثانوية العامة أما الـ 85% من الطلبة فيلتحقون بالمعاهد التقنية العليا للحصول على شهادات تقنية وصناعية ومهنية لكي يلبوا سوق العمل وبالتالي الحصول على وظائف وأعمال حرة مجزية ومضمونة لأن سوق العمل هو الذي يحدد ويطلب من الحكومة أن تلبي متطلباتهم بحيث تعمل على تكثيف التعليم المهني والتقني .
أما نسبة الـ15% الذين يلتحقون بالجامعات فهم ليسوا من أصحاب الدرجات العالية كما قد يظن البعض وإنما هم من ذوي الدرجات الجيدة والمتوسطة ,إلا أن لهم ميولا في التعليم الجامعي وليس لهم ميول أو رغبة في التعليم التقني والمهني . فإذا كان هناك مجموعة من الطلبة لهم ميول في الطب أو الهندسة أو العلوم فإن الجامعات تلبي رغباتهم وتسمح لهم الالتحاق بالتخصصات التي يرغبون في دراستها بصرف النظر عن مجموع الدرجات التي حصل عليها الطالب في التعليم الثانوي طالما عنده قدرة على الإبداع والتفوق وليس كما يجري في اليمن من امتحانات المفاضلة بين آلاف الطلبة للسباق على عدد من المقاعد وهي عملية غير منصفة وغير منطقية, حيث تجرى عملية قبول الطلبة في الجامعات الهولندية بكل هدوء وقناعة ولا يوجد هناك ما يحدث في اليمن من خناقات وزحام فظيع ووساطات وتدخلات وتصعيد وتنزيل بحسب ما يريده المخرجون .
وحينما سألنا المذيع الهولندي عن نظام التعليم الجامعي والعالي ومعايير ومواصفات القبول بالجامعات اليمنية قلنا دعنا نتحدث معكم بكل شفافية وصراحة ووضوح ما يجري في اليمن عند امتحانات القبول هي عملية فوضوية وفيها الكثير من المغالطات والإرباكات والتجاوزات والإرتجالات والوساطات والتدخلات من خارج الجامعة يفوق كل تصور . ولدينا الكثير من المشكلات والعقبات والصعوبات ما لا يخطر على قلب بشر من أجل الحصول على مقعد في كلية مرموقة .
وأول هذه المشكلات التي نعاني منها في اليمن هي عدم تقنين التعليم وتحديده وتحديد مخرجاته وفق معايير ومواصفات خاصة, وكل الطلبة من الحاصلين على الشهادة الإعدادية مهما بلغ عددهم من عشرات الآلاف يتم إلحاقهم بالتعليم الثانوي جميعا, بينما هناك دول عربية مثل مصر لا تسمح للطالب الذي حصل على أقل من 75% في الشهادة الإعدادية الالتحاق بالتعليم الثانوي ويتم توجيههم وتوزيعهم على المدارس التقنية والمعاهد الفنية وكليات المجتمع لكي يقللوا من الإقبال المتزايد على التعليم الجامعي .
وأضاف المذيع العربي بإذاعة هولندا أن الدرجات العالية التي يحصل عليها الطالب ليست مقياسا لتفوقه والتحاقه بالكليات المرموقة فهناك طلبة حاصلون على 60 درجة في الثانوية العامة ولكنهم يتمتعون بمواهب وميول وقدرات في مجال الطب أو في مجال الهندسة أو قدرات في الفيزياء والرياضيات فهذا الطالب يسمح له الالتحاق بالكليات المرموقة .
فمملكة هولندا تولي التعليم التقني والمهني عناية خاصة واهتماما كبيرا ولذلك فالجامعات الهولندية لا تقبل إلا 15% من مخرجات التعليم الثانوي وبدلا من إخضاعهم للامتحان والمفاضلة وإجراءات القبول المرهقة تقوم الجامعات بإجراء القرعة بين الطلبة في كلية الطب ولكن مجموع درجاتهم قد تتراوح ما بين 60 إلى 70% ويتم قبولهم على هذا الأساس ولكن دون تبرم أو تذمر أو سخط أو وساطة والكل مقتنع بما جاءت به نتيجة القرعة .
ومن مميزات القرعة أنها تسمح للطلبة أصحاب المجاميع المتوسطة أن يلتحقوا بالكلية المرموقة حتى لا يحرم من التخصص الذي يرغب في دراسته بصرف النظر