الترجمة.. بين الواقع و الوقائع..!

المقالح عبدالكريم


المقالح عبدالكريم –
-1-

مما لا شك فيه أن الترجمة من لغة أخرى هي بوابة تصل بين حضارتين.. و لكل حضارة خصائصها وتاريخها وثقافتها.. حيث تتيح الترجمة فرصة مناسبة لرؤية الآخر.. للاقتراب منه وللتعرف عليه.
إن الشرط الأساس لإقامة حوار بين الحضارات هو تبادل التأثير الثقافي رغم كون هذا التبادل في أغلب الأحيان محكوم بعدم التكافؤ الناتج عن الاختلاف الكبير بين حضارتين.
ويمكن القول أن الترجمة تعد (إحدى المؤشرات التي تعكس مدى تقدم الدول ورغبتها في الاستزادة المعرفية في عصر المعلومات الذي يتميز بالانهمار المعرفي وسرعة إبلائها). «1»

-2-
ولو حاولنا التعرف على طبيعة وواقع الترجمة من لغات أخرى إلى اللغة العربية فسوف نصطدم بكثير من الحقائق المروعة التي ليست في صالحنا أبدا.. فحسب د/ زايد صالح فإن إجمالي ما يترجمه العالم العربي سنويا لا يزيد عن 300 كتاب.. أي ما يعني (أقل من خمس ما تترجمه اليونان). «2»
أما بالنسبة للإجمالي التراكمي لكل ما تم ترجمته منذ عصر المأمون فإنه وحسب د/ زايد صالح يصل إلى حدود عشرة آلاف كتاب (وهو ما يساوي ما تترجمه أسبانيا في عام واحد). «3»
ومع نظرة أكثر قربا نجد أن الترجمة إلى اللغة العربية تعاني كثير الصعاب وعديد المشاكل التي تلعب دورا سلبيا في الحد من انطلاق مشروع ترجمة عربي له ثقله وصداه.

-3-
وقد ظهرت.. أو بدأت مشاكل الترجمة إلى اللغة العربية بالظهور.. في العصر الحديث خاصة مع بدايات القرن العشرين.
فها هو الدكتور/ طه حسين في معرض حديثه عن ترجمة حافظ إبراهيم لرواية «البؤساء» يقول مخاطبا المترجم: (ما رأيك في أني أقرأ الأصل الفرنسي لـ «البؤساء» فأفهمه بلا عناء وأقرأ ترجمته العربية فلا أفهمها إلا كارها.. وكثير من الناس يفهمون «البؤساء» بالفرنسية فهما يسيرا ويفهمونها بالعربية فهما عسيرا)«4»
وقد رأى الدكتور/ طه حسين أن حافظ إبراهيم (يلخص ولا يترجم) كما أن ترجمته على ضخامة ألفاظها وفخامة أساليبها وعلى ما لها من روعة وجمال (ليست دقيقة ولا حسنة الأداء). «5»
كما أنه عاب عليه الإسراف في اللفظ الغريب والإعراض التام عن بعض النصوص والتشويه الذي يختلف قوة وضعفا لبعضها الآخر.
-4-
ولم تتوقف ظاهرة تصدöي كتاب وأدباء للترجمة وهم لا يعرفون أبجد هوز اللغة التي يترجمون منها.. فإلى جوار حافظ إبراهيم هناك مصطفى لطفي المنفلوطي والذي كان يكلف بعض أصدقائه بترجمة الإبداعات الفرنسية ثم يقوم هو باقتباسها.. وهو ما نجده في كثير من الروايات الفرنسية مثل: «تحت ظلال الزيزفون» لألفونس كار و«في سبيل التاج» لفرانسوا كوبيه و«بول وفيرجيني» لبرنردين دوسان بيير و«سيرانو دوبيرجراك» لأدمون روستان.. بل إننا نجد في «العبرات» للمنفلوطي نفسه (عدة قصص مقتبسة عن شاتوبريان وألكسندر دوما الابن) «6» وهو ما يعده سهيل إدريس أنموذجا لما يعرف بالترجمة/ الخيانة.«7»
-5-
لذا ورغم كون ترجمات كذلك كانت تعاني من الضعف والرداءة والتشويه وعدم الأمانة.. إلا أنها كما يرى الكثير كانت عاملا رئىسيا في نهضة الأدب الحديث من حيث تعريف القارىء العربي بإبداعات الآخر.. إضافة إلى أنه كان لهذه الترجمات تأثير بالغ في تطوير الفنون الأدبية ولا سيما الرواية والقصة حسب سهيل إدريس «8» والذي يوافقه في هذا إلى حد ما الروائي/ عبدالسلام العجيلي الذي يرى أنه ومهما كان المنفلوطي على جهل باللغة الفرنسية إلا أنه قد (بعث الدمعة في عيوننا حين قراءة «ماجدولين» عن ألفونس كار أو «بول وفرجيني» عن برنردين دوسان بيير.. نحن نشكرهم لأنه لم يتقدم غيرهم بهذه الترجمة قبل ذلك).«9»

-6-
يحكم بالإعدام على العمل الأدبي المترجم عندما يقدم المترجم إلى ترجمته من لغة وسيطة غير لغته الأصلية وهي ما يجده المتتبع لحركة الترجمة الحديثة كمشكلة قائمة توازي المشكلة السابقة رغم الاختلاف النسبي.. فنحن هنا أمام مترجم يجيد لغة أجنبية كالانجليزية فقط.. لذا فإنه وحين يطالع أحد الأعمال الأدبية كالرواية مثلا في ترجمة من لغة أخرى إلى الانجليزية يقوم من فوره لشهرة الكتاب أو الكاتب إلى ترجمته إلى العربية.. لذا فإن النتائج كارثية حسب المترجم/ حسين الموزاني والذي قام بترجمة «طبل الصفيح» لغونتر غراس من الألمانية.. لكن وما إن نزلت الترجمة بالعربية حتى أعقبها ترجمتان الأولى: من الفرنسية والثانية: من الانجليزية و(ليست هاتان الترجمتان سوى قراءتين متباينتين مشوبتين بأخطاء فاحشة.. والعجيب أن الترجمتين أنجزهما طبيبان). «10»
والقيام بترجمات كهذه حسب الموزاني معناه القضاء على طوبوغرافيا الرواية بكاملها.. حيث أن ضحايا هذه المغامرات هم (أسماء الأماكن والشوارع والأحياء وال

قد يعجبك ايضا