الحوار.. وطول الأمد
عبدالرحمن مراد

مقالة
كنت كتبت في زمن الحديث عن الحوار الوطني قائلا إن الواقع اليمني لا يمكنه التفاعل مع حوار مفتوح وبالآلية التي تم إقرارها وقلت إن مثل ذلك يجعلنا في دائرة مفرغة من التيه ذلك أن المتحاورين الذي يمثلون كيانات وأحزاب وإيديولوجيات لا يمكنهم إلا الانتصار لتلك المرجعيات ويظل الوطن هو المفردة الغائبة من كل أجندات وأطروحات تلك القوى ومثل ذلك المذهب من القول دلت حقائق الواقع ومعطياته على صدقه وكان الأصوب أن تتحاور الأحزاب والكيانات والفئات النوعية وكل المكونات والجماعات حوارا بينيا حتى تتوافق على مشروع وطني ناهض وموجهات دستورية وتستهلك طاقاتها الانفعالية في الإطار البيني ثم تأتي بذلك المشروع إلى لجنة الحوار ومن ثم تنظر لجنة الحوار في المتفق عليه من قبل الأحزاب والقوى والجماعات والمكونات وتقره باعتباره أمرا مجمعا عليه ولا تعرض إلا ما كان محط خلاف للنقاش ولا يترك الأمر للمزاجية والبواعث النفسية والانفعالية بل يمكن اللجوء إلى الضابط العلمي وفق آلية علمية ممنهجة تنتصر للوطن وتستعيد ( من خلالها بنية الدولة الحديثة) ألقه الحضاري ودوره الحيوي في المنطقة وفي العالم بيد أن الذي تم كان خارج النسق الثقافي لطبيعة المتحاورين المتصارعة والباحثة عن وجود في خارطة الوطن المستقبلية بل دلت الأيام أن البعض كان أداة لتنفيذ أجندات ولم يكن تمثيلا حقيقيا لتربة هذا الوطن الذي يتطلع إلى الغد بآمال وطموحات كبيرة وكان يضع تلك الآمال والطموحات على كاهل المتحاورين ومخرجات مؤتمرهم الذي طال به الأمر دون الوصول إلى نقطة الانفراج التي يبحث عنها الشعب من أقصاه إلى أقصاه.
علينا أن ندرك إدراكا واعيا أن طول أمد الحوار لن يكون مجديا أمام حالة التصاعد المتسارعة في المشاعر الغاضبة وعوامل الاحتقانات التي تعزز حالة الانقسامات والتشظي وحالة الفوضى وغياب الدولة وتفرض واقعا يمنيا مختلا أمنيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا…. اليمن اليوم يشهد خطى متسارعة إلى حافة الانهيار إذا لم نتداركه فالقضية الوطنية قضية جمعية والشعور بالمسئولية يفترض أن يكون شعورا جماعيا جماهيريا مساندا وواعيا فالرئيس في ظل هذه الظروف لا يمكنه أن يتحرك خطوة واحدة تنتصر للوطن فالصيغة التوافقية التي حملتها المبادرة جعلته تحت طائلة الابتزاز السياسي وفرضت عليه تلك الحالة قيودا بعينها يتعذر على المنصف أن يقول بتحمله المسؤولية التاريخية أمام كل ما يحدث من فوضى وحروب واختلالات أمنية وتردي اقتصادي.
ما يحسب للرئيس هادي أنه قبل الاحتراق جماهيريا مقابل أن يحمل شمعة تضيء مسالك الوطن المظلمة وهو يدفع ضريبة انتمائه إلى هذا الوطن جهدا وتضحية إذ ثمة قوى وطنية وإقليمية ودولية تحاول خلط الأوراق عليه وتصرفه عن أولياته الوطنية وتحاول أن تظهره بعيدا عن وجدان الجماهير وتطلعاتها كما أن الرئيس يتعرض لابتزاز سياسي مقيت من قوى سياسية واجتماعية وإعلامية بهدف تحقيق مكاسب نفعية ذاتية وأحيانا حزبية وحين يمتد الزمن بمؤتمر الحوار الوطني فذلك يعني التعقيد المتضاعف لأبعاد القضية الوطنية وبناء الدولة الحديثة بما يتركه ظلال الأزمات من أثر نفسي وبالتالي من موقف اجتماعي وموقف ثقافي وحين يصل الأمر إلى ذلك الحال فهو يعني في بعض ما يعنيه التيه وغياب الرؤية الوطنية القادرة على الخروج من عنق زجاجة الماضي إلى رحابة أفق المستقبل الواسع بكل أبعاده الحضارية والثقافية فالصراع في أروقة الحوار هو صراع بين ماض مألوف ترتبط به مصالح وبين مستقبل مجهول قد تضررت منه مصالح جماعات وكيانات ويكون له أثر اجتماعي وأثر ثقافي وأثر في علاقات الإنتاج وفي أدوات الإنتاج ومثل ذلك هو العامل الأبرز في تجليات الحوار.
ما لا يدركه المتحاورون والمتصارعون أن التاريخ الذي يتحدث عنهم في المستقبل سيقول بمسؤوليتهم الوطنية والمطلقة في بناء الدولة اليمنية الحديثة والمستقرة أو في انهيارها (وهي على شفا حفرة الانهيار إذا لم يتجاوزوا ذواتهم طبعا) وسيقول عن الرئيس هادي عكس ما يردده إعلام المتصارعين اليوم ذلك أن الرئيس كان عامل التوازن والنقطة الفاصلة بين البناء والغد المأمول وبين الانهيار انهيار الدولة والتردي إلى الهوة السحيقة من التشظي والانقسامات والحروب الطاحنة وعلامات ذلك واضحة وبارزة في معطيات الواقع اليمني لمن ألقى السمع أو كان بصيرا.
لقد أثقلنا كاهل الرئيس بما ناء عن حمله وليس من العدل أن يكون المتحاورون خارج دائرة المسؤولية التاريخية والوطنية في هذا الظرف البالغ الحساسية والتعقيد.