الاتصال واللا تواصل

محمد المساح


 - هذا الحضور الغائب ينقله الهاتف الجيبي اليوم إلى الشارع حيث أصبح المار إلى جنبك يمر عليك دون أن يجيبك أو يتحدث إليك لأنه غارق في عالمه أو على الأصح في الع

هذا الحضور الغائب ينقله الهاتف الجيبي اليوم إلى الشارع حيث أصبح المار إلى جنبك يمر عليك دون أن يجيبك أو يتحدث إليك لأنه غارق في عالمه أو على الأصح في العالم الجديد أي في ما يدعوه أحد الدارسين “التليعالم”.
فليس قريبك اليوم هو القريب فيك ليس هو جارك وأبن حيك قريبك اليوم هو البعيد فالإنسان المعاصر لا يسعى إلى الاقتراب من البعيد إلا ابتعادا عن القريب.
إنه لا يدنو من الغائب إلا فرارا من الحاضر ولا يتواصل مع البعيد إلا هروبا من القريب إنه لا يتصل إلا لكي لا يتواصل وسيلة النقل في هذا “التليعالم” هي الهاتف المتنقل أو كما يسميه البعض عن حق “الهاتف النقال”.
لا لأننا ننقله عنا بل هو الذي ينقلنا في هذا الفضاء الجديد حيث غدت السرعة زمنا أكثر منها مسافة وحيث تقلص المكان ليغدو نقطا تحسب بالزمان لكن إن نحن اقتربنا من شكل الاقتراب ونوع القرابة التي باء مكان الهاتف أن يخلقها بين الناس فهمنا أي نوع من التواصل يعيش عليه الإنسان المعاصر فهذا الإنسان إذ يحاول أن يعيش في العالم وأن يقترب من الجميع لا يقترب من أحد.
وهو إذ يحاول أن يحضر في كل مكان يغيب عن جميع الأمكنة بل إن هروبه مما يقرب منه هو في حقيقة الأمر هروب من ذاته وهو إن كان يسعى دوما للاتصال بالآخرين فلأنه لم يعد يتواصل معهم قريبين كانوا أم بعيدين عنه.
من كتاب ميثولوجيا الواقع
عبدالسلام بنعبد العالي

قد يعجبك ايضا