الذهنية الروائية
صدام الشيباني
حركة الخطاب الثقافي حركة متقلبة , بطبيعتها , تخضع للتحولات الأيديولوجية في المجتمع , والصراع القائم فيه , ولا توجد صورة ثابتة للمجتمع العربي , وكذلك لا توجد صورة ثابتة للخطاب الثقافي العربي, ودائما ما يراعي مرسل الخطاب الثقافي التغير الذي يطال مستوى الوعي الاجتماعي, والخصوصية الفردية , وبالأخص حالة التدافع التي تشهدها المنطقة العربية وتداخل الخطابات من ناحية وتصادمها من ناحية أخرى. لكن المرسل المقصود للخطاب الثقافي- هنا – الروائي , الشخص الذي يكلف نفسه عناء البحث والقراءة والتمحيص للمتغيرات الاجتماعية والثقافية والفكرية , ويبحث عن الفجوات الموجودة في الفرد والمجتمع , ليردمها حسب الحاجة الى ذلك, والروائي يمتلك المنظار الذي ينظر الى قضايا المجتمع برؤية مجسمة ومكبرة في آن واحد , ليقرأ ما خفي عن الناس وعن النخبة السياسية والمثقفة من أجل إعادة صياغة الواقع . يعاني الروائي العربي , واليمني على وجه الخصوص الكثير من المشكلات الذهنية , منها ما يتعلق بالكتابة الإبداعية والشكل الروائي , ومنها ما يتعلق بالمشكلات القطرية وقضايا الهوية , ومنها ما يتعلق بحالة المثاقفة في المشهد الروائي العربي, وهي حالة التشتت الناتجة من التدافع بين التاريخ والجغرافيا والزمن والسلطة , وكلها عوامل مؤثرة لا يمكن تجاهلها , ومع هذا خاض عدد من الكتاب تجربة الكتابة وفق المشكلات التجريبية التي اصطدمت بحالة الأمية والجهل في العالم العربي . اصطدم روائيو اليوم بالتراث الفني العربي (السرود العربية القديمة ) بكافة أشكالها , لأن السرود القديمة لها وظائفها وسرود اليوم لها وظائفها المستقلة, مع وجود بعض التقاليد السردية النادرة عند بعض الروائيين , أخذ هذا الصدام شكل المصادرة والإلغاء لكل ما هو سردي قديم , والاعتماد على الشكل الروائي الغربي الجديد , في حين ما زالت البيئة العربية تتعلق بالأشكال السردية القديمة او ما توحي بها , وتتشابه البيئات العربية كثيرا, ولابد من وجود عناصر سردية تتوازى مع العناصر البيئية إن لم نقل : تتشابه معها . عمد بعض الروائيين الى (استعارة) الأشكال السردية مستندين الى التماثل القائم بين أشكال البنيات الاجتماعية المتنوعة , في حين لا توجد فلسفة وراء هذه الاختيارات , هذه الاستعارة الشكلية أوجدت فجوة في تلقي الأدب في المجتمع , أو استعارة نموذج غربي ليس له ارتباط بالمجتمع الذي يكتب له النص الروائي , والأشكال السردية معقودة بالحاجة الى تغيير أشكال المضمون , ففي المجتمع المغربي خصوصية تلق غير خصوصية المجتمع الكويتي , او اليمني , فالروائي هو الذي يختار الشكل السردي حسب الرغبة الى ذلك أو بناء على طلب المتلقي لذلك . يتجاوز الروائيون في بلدنا وفي بعض الأقطار العربية التعددية الثقافية , إلا بعض الأعمال القليلة , مع وجود الصراع القائم بين الجماعات السياسية والمذهبية والثقافية , الذي أسال دماء الكثير من المواطنين العرب , بسبب الحروب القائمة لأهداف وبلا أهداف , والمشكلة الماثلة ان الروائي يخضع لنمط الثقافة الأحادية ويستسلم لها , ولا يحاول ان يخلق التعدد في الحالات الأحادية , والحرية في إطار الاستبداد , والديموقراطية في إطار الديكتاتورية . والحداثة في إطار التقليد , والغاية المهمة من الشكل الروائي أن يحقق حالة المرونة السلوكية في المجتمعات المغلقة , التي تعيش في الماضي أو في إطار ثقافي لا ترغب في الخروج عنه , وأيضا حالات التعصب الفكري , والحالات النفسية المضطربة , وما الى ذلك . إن اهم مرحلة كتابية عند الروائيين هي المكوث في (الذاكرة) , هناك قلة من الروائيين استطاع تجاوز ذاكرته الى فهم طريقة تفكيره, وإلى فهم ذاته داخل المحيط الجغرافي , والتاريخي , وهي ذات المجتمع العربي الذي يعاني التسطح , والتجهيل وسرق التاريخ منه, ووعي الذات بالنسبة للروائي هو المنطلق لفهم الاخر عبر التاريخ, والذي يهم الحاضر هو فهم العلاقة القائمة بين الذات العربية – العربية والمشكلات الفكرية فيها , وما في الذات من تعدد وتجريد , و(الآخر) الأمم المجاورة للبيئة العربية , ما يؤخذ منها وما يرد على المستوى التأثيري والثقافة والحضارة . ولا تكفي السرود الرحلية (سرد الرحلات) في فهم العلاقة بين الذات والآخر , لأنها تتناول العلاقة من زاوية الذات الفرد فقط , وليس الذات الجماعة , التي يريد ان يوظفها الروائي , والمقصود هنا أن الكتابة السردية تتحول الى نموذج تجريبي ينقل الخبرات بين الأمم والشعوب لما يصب في مصالح التكامل المعيشي للأمم . تنشغل الذهنية الروائية بالجوانب الفيزيائية للشخصيات , وطول الحبكة , وتجلية المكان للصراعات , وربما كان حدث ما هو ا