تحديات المرحلة

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - تمر اليمن بمرحلة هي من أخطر المراحل في تاريخها القديم والحديث فالدولة مهددة بالتشظي والانقسام, ويقظة الهويات المحلية والوطنية والقومية التاريخية بدأت تبرز على سطح المشهد السياسي والثقافي وبدأت بعض الجماعات تعيد ترتيب نفسها

تمر اليمن بمرحلة هي من أخطر المراحل في تاريخها القديم والحديث فالدولة مهددة بالتشظي والانقسام, ويقظة الهويات المحلية والوطنية والقومية التاريخية بدأت تبرز على سطح المشهد السياسي والثقافي وبدأت بعض الجماعات تعيد ترتيب نفسها خوف عوامل الفناء ومفردات القوة والاستهداف أن تصيبها وفي مقابل ذلك لا نجد نشاطا حكوميا يعمل على ترميم المتصدع في الوجدان الجمعي فالأداء الحكومي في التفاعلات اليومية وفي النشاط العام كاد أن يكون عدما وباعثا على العدم وعلى الشعور به والممارسات الخاطئة للكثير من الوزراء تبعث كوامن الغضب الشعبي وتعزز من الشعور بفقدان القيمة ويبدو أن الأداء الإعلامي والنشاط الثقافي قد ساهم في حالة النكوص بالقدر الأوفر إذ ظل دورهما مفقودا ودورهما من أساسيات الحالة السياسية في كل مؤسسات الحكم في العالم ولذلك نرى العالم من حولنا يولي الشريحة الإعلامية والثقافية الاهتمام الأكبر فهو يقترب منها ويبدد السحب التي تحجب الرؤية عنها ويحاورها أملا في تصحيح التصورات المسبقة لكل طرف عن الآخر ويعمل جاهدا على توفير متطلبات الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي حتى ينعكس ذلك الاستقرار على الحالة الأمنية والاجتماعية والسياسية وبالتالي على التنمية الوطنية المستدامة, وفي المقابل فإن التقليل من شأن وقيمة الشريحة الثقافية والإعلامية ومحاولة اقصائها من تفاصيل المشهد لن يكون بالضرورة إجراء واعيا فالتبعيد لقادة الرأي وصناعه ضرر نتائجه كارثية على الوطن وعلى أمنه واستقراره وحديثي هنا عن المثقف وفق مفهومه الشامل بما في ذلك المثقف الديني – فالتعدد في الرؤية والمنطلق أصبح واقعا لا يمكن القفز على حقائقه الموضوعية والتعامل مع مثل ذلك التعدد لن يتحقق إلا بالاعتراف بوجوده بالتوافق على قيم ومبادئ الالتقاء ومن خلال ترشيد الخطاب وتشذيبه من نوازعه الذاتية فالآخر المختلف معك موجود ووجوده يضاهي وجودك وموقفه من القضايا العامة يجب أن يحترم ويتم تقبله مثلما تريد منه أن يحترم موقفك ويتقبله وعند هذه النقطة المحورية تبرز المهارات السياسية التي تستخدم الممكنات الذهنية والثقافية والسياسية في تحقيق المكاسب السياسية لهذه الجماعة أو الحزب فالعداوات لن تخلق إلا عدوات مثلها والدم لا يجر وراءه إلا دما مثله والاشتغال على قيم السلام يتطلب مهارات ذهنية وثقافية وقواعد منطق سليم لذلك فالفرق التي تشتغل على حالات الانقسام الاجتماعي وتحاول تعميق ثقافة الثأر والعداوات على أسس مذهبية وطائفية تشكل خطرا على مستقبل اليمن ويصبح تدخل الدولة بكل إمكانياتها المادية والمعنوية في هذه الحالة ضرورة ملحة على أسس التعدد وقبول الآخر والتعايش والسلام وتهذيب الخطاب كما أن المؤسسة الإعلامية الرسمية والمؤسسة الثقافية بالتوازي مطالبتان بالقيام بدورهما من حيث إشباع حاجات الفرد وتكثيف تجاربه فالوعاء الذي يشكو الفراغ هو يشتهي الامتلاء وحين يملأ بقيم الخير والحب والسلام والحق تكون ثمرته اليمن السعيد الذي يستعيد بعده الحضاري ومجده التاريخي وحين نتركه لفراغه فرغبة الامتلاء تجعله يبحث عن كينونته ونحن نشهد أنه لا يجدها إلا في العبوات المتفجرة والأحزمة الناسفة لذلك فالتركيز على بناء الإنسان بناء سليما يجب أن يكون من أولويات المرحلة وتفعيل دور الأدوات في البناء الإنساني يجب أن يأخذ حظه من الاهتمام والتركيز والعناية وإذا كنا نردد في خطاباتنا أن الإنسان هو هدف التنمية ومحورها فمثل ذلك التوجه – إن كان صادقا – يقتضي التركيز وبشكل محوري على أساسيات البناء وأدواته وتحسين جودة الأداء وإطلاق العنان لخاصيتي الإبداع والابتكار.
ما يجب أن ندركه في هذا المخاض العسير الذي تمر به اليمن أن الذات تشعر بفراغ وبفقدان حلقات مهمة في سلسلة التراكم التاريخي والامتداد الحضاري وترميم المتصدع وإعادة الحلقات المفقودة إلى سياقها الحقيقي يتطلب جهدا مضاعفا فالذات التي تشعر بالفراغ الحضاري والفراغ التاريخي لا يمكنها التفاعل مع اللحظة الحضارية الجديدة لأنها تشعر بفقدان القيمة وتشعر بالاغتراب الحضاري والاغتراب التاريخي وبالتالي الاغتراب عن اللحظة الجديدة.
ومن هنا يمكننا القول باطمئنان لا نبالغ فيه أن الاهتمام بالإنسان وصناعته وإعداده لمتطلبات المرحلة الحضارية الجديدة هو الرهان الأمثل الذي من خلاله تتجاوز عثراتنا التاريخية وعثراتنا الحضارية مع التأكيد على خياري التعدد والحوار فهما الوسيلة التدافعية التي من خلالها نضمن الاستقرار وندفع بهما غلواء الذات والفساد الذي يخا

قد يعجبك ايضا