في الحاجة إلى الدولة
مأرب الورد
يناضل اليمنيون منذ أكثر من نصف قرن وتحديدا منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م من أجل بناء دولة قوية عادلة ترعى مصالحهم,ولكن المفارقة أنهم كانوا يعملون ضد وجودها وإن كان البعض لا يدرك ذلك مع الإقرار بأن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق من تولوا مقاليد الحكم لفشلهم في تمكين اليمنيين من تحقيق حلمهم ببناء دولة مستقرة تؤدي وظائفها دون تقصير أو إهمال.
من المهم أن نعيد التذكير بمفهوم الدولة التي ننشدها وعلاقتها بالحكومة في ظل خلط سائد في التفريق بين مصطلحي الدولة والحكومة,حيث تعرف العلوم السياسية الدولة بأنها كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءا من الدولة وهي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها كما أن الدولة كيان أكثر ديمومة مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها نظرا لتغير نظام الحكم.
وتتمثل وظائف الدولة في وظيفتين الأولى الوظائف الأساسية التي منها تأسيس جيش لحماية مصالح البلاد وحفظ الأمن والنظام وتحقيق العدالة من خلال القضاء,أما الوظيفة الثانية فهي تقديم الخدمات التعليمية والثقافية والصحية والمياه والكهرباء وغيرها.
السؤال:هل نعمل لأجل بناء الدولة ¿ الإجابة نظريا نعم الجميع يدعي ذلك لكن الواقع عكس ما يقول,والأخطر أن مفهوم الدولة يتلاشى تدريجيا من قيمة ايجابية ونبيلة يتعين العمل لأجلها إلى كيان رمزي ما تبقى منه يهدم بفعل الممارسات والتصرفات غير المسؤولة التي تعيدنا إلى خارج إطار الدولة أو إدارتها بأسلوب المجتمع الصغير.
رحلة بناء الدولة طويلة وتحتاج إلى وقت وجهد وهذا مفهوم غير أن هذا لا يعني أن نظل أسرى لأعذار الوقت دون أن نبدأ من اللحظة التي نفكر فيها بالتدريج حتى نصل إلى غايتنا ونكون بذلك قد اختصرنا مسافة طويلة من الانتظار لرؤية حلم الدولة حقيقة ماثلة للعيان.
لو أخذنا أهم شيء من وظائف الدولة وهما حفظ النظام وتحقيق الأمن والعدالة لكي نعرف هل نحن فعلا نعزز وجودها ونفعل أجهزتها وصولا لبنائها على أسس صحيحة ومتينة, وإذا ما تأملنا ذلك في الواقع سنجد أننا نساهم في تغييب الدولة في أذهان الناس بدلا من تذكيرهم وتعريفهم بفضائل وجودها.
في حوادث القتل والعنف المختلفة يتم التعامل معها رسميا بغير الأدوات الحقيقية والمناسبة وهي الجيش والأمن وذلك باللجوء للجان وساطة لا تستطيع حماية نفسها ولا تنفيذ مهمتها لافتقادها لعوامل نجاحها وتكليفها بمهام أكبر من طاقاتها.
في هذه الحالة تتحول الدولة التي نسعى لإعادة بنائها إلى مصلح اجتماعي وفاعل خير غير مؤثر لا يستطيع إجبار طرفي الخصومة والخلاف على تنفيذ ما يتفقون عليه وبذلك يفقد الناس الأمل بالتعويل على الدولة لحل مشاكلهم أو حمايتهم وتوفير الخدمات لهم ويبدأون بالبحث عن خيارات أخرى خارج إطارها لتحقيق ما عجزت عن تلبيته كجزء من وظائفها.
كيف تقبل الحكومة بصفتها هنا الوسيلة لتنفيذ سلطة الدولة أن تعالج قضايا بغير أدواتها وتساهم في تحييدها تدريجيا لدرجة يصعب على الناس القبول بهذه الأدوات في حال اللجوء إليها في بعض القضايا وهناك أمثلة كثيرة على رفض قبول الجيش كبديل لمراقبة اتفاق الصلح عن المسلحين غير النظاميين كما حصل في مواجهات وادي دنان بمحافظة عمران قبل شهور والتي رفضت بعض الأطراف القبول به.
ما نريده هو أن يؤدي الجيش والأمن دورهما كمؤسستين معنيتين في حفظ النظام والقانون وتوفير الأمن والاستقرار وحماية السلم الاجتماعي من أي أخطار أو تهديدات,بحيث تكون الإجراءات السلمية كالتفاهمات التي تتولاها لجان الوساطة استثناء لا الأصل لأن هذا سيجعل الدولة ضعيفة يمكن أن يقاضيها مخرب قاطع للطريق أو معتد على خطوط الكهرباء أو أنابيب النفط ويبتزها لأجل المال أو التوظيف أو الإفراج عن قريب له مسجون ومع كل رضوخ لمثل هكذا ابتزاز تفقد الدولة معناها وقيمتها من حيث الهيبة ويقل الشعور بالحاجة إليها.
عندما يعتدي أي شخص على مصلحة عامة هل نتركه يعبث ويمارس الابتزاز أم يتم القبض عليه وإحالته للقضاء ليقول كلمته حتى يكون عبرة لغيره وهذا هو العمل القانوني الذي يجعل كل الأجهزة تقوم بدورها وإلا عرضت نفسها للمساءلة.
يتساءل الجميع عن أسباب تشجيع ممارسة أعمال القتل والاختطاف وارتكاب الجرائم المختلفة وينسون أن تعامل من يديرون الدولة هم السبب الأول الذين بدلا من إعمال القانون وإنفاذه بأدوات الجيش والأمن في حق العابثين والمخربين يلجأون إلى الأسلوب القديم في المراضاة وإرسال لجان الوساطة للتفاوض وهنا تتخلى الدولة عن وظيفتها وتنزل إلى