الفوضى والفساد..
عبدالله سيف
> محظوظ هو الفساد في بلادنا فكلما ضاق الخناق عليه اتسعت الآفاق من حوله وانفرجت أحواله وعاد إلى سابق عهده ليفعل ما يحلو له في غفلة من الأنظار والاهتمامات فهو لم يترك بابا من الأبواب إلا وطرقه ولا مؤسسة إلا صال وجال فيها كأنه أخطبوط متجذر يعمل بخطى سريعة في تدمير أجهزة الدولة واستنزاف مواردها وثروتها.
فالفساد بكل أشكاله وأنواعه وصوره يمثل حجر عثرة أمام أي جهود تستهدف التنمية والنهوض بالوطن من الأوضاع المتردية التي يعيشها ودائما ما يعيد عجلة التنمية إلى الوراء ويظل عائقا أمام الوصول إلى المقدرات الصحيحة وإلى الأشخاص الملائمين الذين بإمكانهم النهوض بالبلاد بشكل عام فإلى جانب نهب المال العام والاختلاس والابتزاز والتهرب الجمركي والضريبي وغيرها هناك أشكال أخرى أيضا من الفساد تتمثل في المحسوبية والوساطة الأمر الذي يؤدي إلى اختيار غير الكفاءات ممن ليس لديهم أي إلمام بالعمل وهذا يعد جهلا يؤدي إلى فساد ومن ثم يتم هدر الوقت على حساب العمل وهذا أيضا فساد.
وعموما الفساد منظومة متكاملة سياسية واقتصادية وثقافية وقبل كل ذلك أخلاقية حيث إن فساد الأخلاق يسبق كل أنواع الفساد رغم أن البعض يفهم الفساد على أنه سرقة المال العام وذلك نتيجة استئثار هذا النوع من الفساد وبالأحاديث والكتابات المختلفة إلا أن سرقة المال العام هو الحلقة المتقدمة من سلسلة الفساد الطويلة التي كما اسلفنا تبدأ بفساد الأخلاق ومن الغريب الفصل بين الفساد المالي والفساد الإداري لأن النوعين مرتبطين ببعضهما والفساد الإداري دائما ما يولد بيئة خصبة للفساد المالي الذي دائما يكون نتيجة الاستغلال الخاطئ للمنصب العام لتحقيق مصالح شخصية سواء كانت فردية أو جماعية والتي عادة تأخذ أشكالا وأنماطا عدة قد تكون أكبر من السرقات.
الغريب أن ظاهرة الفساد في بلادنا تتكرس يوما بعد آخر ولا يمر يوم من الأيام دون أن تقرأ أو تسمع عن قضية فساد حيث لا تخلو صحيفة يومية أو أسبوعية ولا موقع الكتروني ولا غيرها من وسائل الإعلام إلا وتتطرق لهكذا موضوع بهذا الشأن ناهيك عن تقارير الرقابة والمحاسبة والجهات ذات الصلة والمنظمات والمراكز الأخرى المهتمة التي دائما ما يصدر عنها تقارير توضح قضية فساد هنا أو هناك.. إلا أن كل ذلك لم يجد ولم نجد أحدا من عتاولة الفساد أحيل إلى القضاء ومازال رموز الفساد يسرحون ويمرحون ويعبثون بالممتلكات والأموال حتى يومنا هذا ولايزال الفساد يعمل كوحش كاسر لا حدود لنهمه ولا قواعد قيم تحد من طغيانه الأمر الذي يتطلب صدق النوايا والتوجيهات لاجتثاث ومحاسبة كل المفسدين مهما كانت مواقعهم ومناصبهم والتعامل مع هذه القضايا بشفافية مطلقة لأن الشفافية في بلادنا وبسبب عتمتها خلال الفترة الماضية وحتى اليوم جعلت الفساد يدب في كل مفاصل وهياكل الدولة.
الفساد في حالة لم تصدق النوايا باتجاه مكافحته سوف يظل بمنأى عن المسألة وبعيدا عن الاهتمامات والأنظار والرقابة وسوف يجد له مساحة أوسع يصول فيها ويجول ويعبث بالمزيد والمزيد من مقدرات البلد طالما انشغل الجميع ـ وهم منشغلون الآن بقضايا أخرى ربما تكون ذات أهمية أحيانا وغير ذات أهمية أحيانا أخرى لكنها في كل الأحوال لا تخدم سوى الفساد والفاسدين طالما هناك قضايا أخرى تشغل الجميع وتوجه اهتماماتهم نحوها وتلفت الأنظار إلى غير الفساد وهذا ما يطرب الفاسدين الذين يخدمهم حدوث مشكلات واحتقانات وتجاذبات مختلفة لأن هذا الواقع يخلق بيئة ملائمة ليمارس الفاسدون فسادهم دون خوف أو قلق ودون أن يتربص بهم المتربصون بالفساد.
فكلما عمت الفوضى وتراجع الأمن والاستقرار كلما كانت فرصة الفاسدين أكبر لممارسة فسادهم وتوسيع رقعته ولهذا يقف الفساد مكتوف المخالب والأنياب حتى تستقر الأوضاع ويصبح في مرمى نيران المكافحة فالفاسدون يسعون جاهدين لاختلاق المشكلات وتوتير الأجواء وشحنها بالخلافات والنزاعات ليكونوا في مأمن مما يريدون له في حال الاستقرار والأمان.. وسيبقى الفساد سعيدا طالما كثرت المشكلات وزادت الفوضى لأنه لن يكون الهدف الأول.