ربيع الأشجار المجدولة

أحمد الشرعبي

 -  منذ سبعينيات القرن الماضي كانت الفرص مواتية والمناخ مهيئا لبناء مشروع ثقافي يسمح بتعبئة الموارد وتسخيرها على تنمية شعوبنا بطريقة تؤمن الإنسان من فخاخ الاستدراج ومآزق السذاجة في التلقي العاطفي لجرع التلقين وإيدلوجيات صناعة الاتتباع.
منذ سبعينيات القرن الماضي كانت الفرص مواتية والمناخ مهيئا لبناء مشروع ثقافي يسمح بتعبئة الموارد وتسخيرها على تنمية شعوبنا بطريقة تؤمن الإنسان من فخاخ الاستدراج ومآزق السذاجة في التلقي العاطفي لجرع التلقين وإيدلوجيات صناعة الاتتباع.
كان بوسع التيارات اليسارية والقومية والوطنية القطرية لعب دور ينتج معرفة الإشباع الذاتي وبناء القدرات الملهمة معطى الحياة وتحدياتها ولم تفعل!! وكان بمقدور النظام السياسي العربي بشقيه (التحرري والمحافظ) خوض معاركهما الأثيرة في ميادين أخرى تفضي لىطرح مفاضلات نهضوية ومعادلات قوة ومقاربات تماثل تحاكي نماذج حكم نامية عاشت نفس ظروف بلداننا خلال حقبة السبعينيات إن لم تكن أحوالها آنذاك أشد استعصاء ومواردها أكثر شحة وأمكنها تقديم مشروعاتها الثقافية وبناء تجاربها المتفوقة وتوظيف شتى المهام اللحظية في إطار الرؤى البعيدة لما يراد بلوغه لا ما تفرزه الغرائز من اعتمالات آنية.
لم تكن سباقات التطور بعيدة عن متخذي القرار العربي ولا كانت القارة الآسيوية ولا أميركا اللاتينية تشتغل على تحدي التطور من عوالم غير مرئية إذ شهد العرب ضحوات تلك البلدان وتابعوا بملء العين وفقد البصيرة مخاضا شاقا تشهده الامم الحية فبتلك البلدان المتحررة من الجاذبية المغناطينومية لقطبي الحرب الباردة ..
لم يحرك العرب ساكنا وسباقات التطور تأخذ مداها البعيد وتؤثر في الثنائية القطبية وتعيد تشكيل حركة النفوذ الدولي .. ولم يسأل النظام العربي نفسه لماذا ظلت الحماية الأميركية ضرورة إيرانية في عهد الشاه لتغدو إيران بعدئذ مصدر تهديد خارجي محتمل دون غطاء أميركي ¿
أفرزت سباقات التطور لاعبين أكثر توثبا فاتسعت رقعة الشطرنج وتغيرت قواعد اللعبة في شرقنا الجريح والعالم بينما ظلت البيادق تنتظر مواتها التلقائي بكل سخاء ¿¿
واليوم تبدو ثورات الربيع إضافة جديدة إلى سفر خيباتنا القديمة لتحضر المفاضلات الرخوة بين من يعتقدها اعتداء على ثوابت الجمود ومن يبحث فيها عن مزاد سياسي ومتواليات انتقامية تعزف على جراح الضحايا بحثا عن سيستم الإرث النخبوي لفصيلة منقرضة من المستبدين .
ثم أوجه تشابه بين سبعينيات قرن مضى وما يعتور حال الأمة في راهنها المضطرب .. تشابه في المتاهة وتجانس في المواقف الانطباعية المنقسمة على تصورات ملتبسة لمثل غير مكتمل.. وما من فوارق جوهرية تفصح عن مختلف جدي اللهم الأمن انتقال حالة الفصام من أعلى الهرم إلى أدناه.
أظن ــ وبعض الظن ليس إثما بالضرورة ــ أن الرغبات غير المؤسسة على مشروع ثقافي أو فكرة مكتملة أنجزت ربيعا للأشجار المجدولة على رصيف الشتاء القارس وجمعت بين عصف الفقر وإيدلوجيا العهن المنفوش لتشكل بذلك أسوأمظاهر الاستهلاك السياسي لعدالة التغيير كمتطلب شعبي ركمته ضرورات بلغت الحاجة إليها قدرا يجعل منها شرطا للحياة وأحسب أن النظم السياسية التي رأت في ثورات الربيع نذير شؤم وعدت المساندة الأميركية لبعض أطرافها مؤشرا خطرا لم تضف شيئا إلى سياساتها السبعينية من حيث التركيز على القشور وغض الطرف عن الجوهر ذاك أن التغيير سنة كونية تتغذى على الفطرة ومتى تعذرت سبل الإصلاح وسدت نوافذ الحكم الرشيد وأجهز الفساد على مصالح المجتمع وتغول اليأس في نفوس المواطنين فإن شرارة الثورة تبدأ من أكواخ الفقراء ولا تذكي جمرتها من موائد السياسيين أو تستورد من أورقة البيت الأبيض فالساسة العرب يوظفون الاحتجاجات الشعبية ويستثمرونها لكنهم أعجز ما يكون عن إطلاقها والحال ذاته بالنسبة للدوائر الأميركية ولئن كان ثمة من يستحق العتب فتلك النظم العربية التي امعنت الفرجة على مقدمات الربيع كما لو لم يكن لديها من الوسائل والإمكانات ما يجعل الحياة في بلداننا ربيعا مشتركا يثمر العدالة والرفاهية ويعزز أسس التكامل بين شعوب المنطقة العربية من ناحية وبين حكوماتها من الناحية الأخرى دون الحاجة إلى حرائق نرقب تفاقمها على أجندات التسخير والتسيير المشبوهين!!
هل فات الأوان ولم يعد في الزمن سوانح للمراجعة¿ وما الذي يلزمنا عمله ويتعين على الحكومات العربية التفكير به في ضوء مجمل الدروس الربيعية التي كاد المنلوج الأميركي يرهنها لطاعته..¿
أعود لفكرة المشروع الثقافي العربي معتقدا أن نواته الممكنة ما نتفق عليه أو بالأحرى ما نعده خطرا وتستدعي لمواجهته كل سبل ومقومات الشراكة العربية الأميركية باسم الحرب ضد الإرهاب على حين لا يلتقي العرب على رؤية موحدة تجاه مهددات الحياة دونك وعوامل المصلحة العربية المشتركة في

قد يعجبك ايضا