الخير في العثور على الحمار!
عبدالله السالمي
هل خرج أحدكم سعيدا ولو مرة واحدة مöن متابعة أخبار اليمن – في ظرفه الراهن غير – السعيد¿!
سأفترض أن قارئا أقبل على عدد اليوم من هذه الجريدة بدافع البحث عن الاستثناء الذي يكسر القاعدة لا الذي يؤكدها وسأفترض أن الصدفة ولا شيء سواها قادته إلى هذه السطور.. فماذا يتعين علي أن أكتب حتى لا أخيب أمله¿
طالما ونار حرب الحوثيين والسلفيين ما انفكت تأكل الناس والحجارة فتزداد اشتعالا سأضرب مثلا بها مöن خلال التساؤل عن إمكانية صرúف نظر القارئ عن كارثية هذه الحرب ومآسيها وذلك عن طريق محاولة إيهامه بأنها مأساة لا تخلو مöن جانب إيجابي كأن يقال – على سبيل المثال – إن تبادل إطلاق النار بين الطرفين يضيء في الليل سماء المنطقة ولأن الأضواء مöن مظاهر الفرح فللحرب بهذا المعنى جانب إيجابي هو في هذا اللمعان الذي يصاحب إطلاق النار في العتمة¿!
قطعا لن يقتنع القارئ بمثل هذا الوهم لا لأن العبارة التي صöيغ بها سطحية وساذجة ولم يبúذل فيها جهد يعزز مöن فرضية وقوع القارئ في حبائل إيهام مöن هذا النوع بل لأن هذه الحرب أقبح مöن القبح ذاته إلى الحد الذي يقبح معه مجرد استيهام أن لها وجها آخر يستطيع المرء النظر إليه دون أن يغمى عليه من الفزع. وإذن فلا شيء يحول دون شعور القارئ بالحزن والاستياء جراء إحاطته علما بأخبار هذه المأساة التي يخشى أن تتسع في الزمان والمكان فتأتي على ما بقي مöن أحلام مؤجلة.
وكذلك الحال بالنسبة لمجمل الأحداث والقضايا مöن مهازل السياسة وإخفاقات الساسة إلى تدهور الوضع الأمني بمعنييه العام والخاص وتفاقم الضائقة الاقتصادية والمعيشية والخدمية وتراجع مؤشرات التماسك الاجتماعي بارتفاع منسوب التنافر المذهبي والقبلي والجهوي.. فمن حيث إن تلك الأحداث والقضايا في تفاعلاتها اليومية لا تبشر بالخير إلا في القليل النادر من الطبيعي أن يخبر عنها بما هو مöن سماتها والمعادلة أن اتسام الأخبار بالسوء والقبح والقتامة كصفة غالبة على تفاعلات راهن المشهد اليمني إنما يأتي من اتسام الأحداث في ذاتها بالسوء والقبح والقتامة.
هكذا تغدو محاولة إقناع المتابع بالبحث عن جوانب إيجابية لتلك المآسي والأزمات عملية شبيهة جدا بحكاية جارين أضاع أحدهما حماره الذي يحبه كثيرا (أكثر مöن حب «ياناكوس» لحماره «يوسوفاكي» في رواية «المسيح يصلب مöن جديد» للكاتب اليوناني «نيقوس كازانتزاكس») فبينما كان الجار يواسي جاره محاولا إقناعه بأن خيرا ربما يكون في ضياع الحمار كان جاره المصاب بفقدان حماره العزيز على قلبه يرد عليه باكيا: «الخير في العثور على الحمار».
أرأيتم إلى أي حد صارت العبارات تحت وطأة الأوضاع المأزومة قصائد رثاء نندب فيها حظنا العاثر¿! الحق أنني لهذا السبب تحديدا لم أعدú أجد رغبة في الكتابة للتداول العام فقناعتي إن لم أستطع المساهمة في فتح نافذة على الأمل يتعين علي عدم المشاركة في ردمها وإهالة الركام عليها. بيد أني قد وعدتك أيها الجميل الفاضل «الأستاذ جمال فاضل» وليس أمامي إلا الوفاء بوعدي يحدوني أمل أن يخرج القارئ (الذي قادته الصدفة ولا شيء سواها إلى قراءة هذه السطور) مöن قراءة هذه المرثية وهو يضحك على إسرافي في اجترار المفردات والتراكيب ذات الدلالة الموغلة في السلبية.