الذات اليمنية

جمال حسن


 - لا أريد جازما بعث الشخصية اليمنية في أفكار حرصا مني على تفهم مأزق الكتابة أو اللغة بما أنها كثيرا ما تتجاوز احتمالات تأويلها إلى مسلمات وحقائق. فالحقيقة أكثر هشاشة مما

لا أريد جازما بعث الشخصية اليمنية في أفكار حرصا مني على تفهم مأزق الكتابة أو اللغة بما أنها كثيرا ما تتجاوز احتمالات تأويلها إلى مسلمات وحقائق. فالحقيقة أكثر هشاشة مما نعتقد كما صور أحدهم ذات يوم الحرية بأن هشاشتها تكمن في تلاشيها كلما كانت واقع. وإشكالية اليمني تتجاوز فهمه للحرية فهو بمقياس حياته أكثر نزوعا للتمرد وفي الوقت نفسه يحمل من الخضوع ما يساوي نزوات تمرده. وحتى أكون أكثر إنصافا ليس أكثر بالمعنى الحسي إلا انه في الواقع سرعان ما يفقد نزوعه للتمرد ويخضع لمتاهة الأعراف أو بصورة ربما أكثر دقة لماهية الخوف. فالذات المختبئة من الموت يمكنها كذلك إهماله.
كنت أتساءل لماذا استمر دعونا أيضا نعود لشكل الدين وارتباطنا به فمع أن الجانب الروحاني اقل لدينا من أمم أسقطت مفاهيمها عن العالم والكينونة في أساطير. أو بما هو نزوع شعري غير ثابت ومتهرب من كل ما هو تأملي. فكما تروي نقوشنا هناك نزوع جاف وعملي مغرق في الثبات. وعندما كانت الآلهة تتشكل وتثبت فإنها كذلك تنقل جوهرها عندما تتغير فدائما كان اليمني يتكل في خلوده على ذلك الإيمان الثابت بالرب وربما بثالوث من الأب وإلام والابن فهو دائما يستنجد بإلهه ليخسف بأعدائه إيمانه ثابت عندما كانت الأرباب أقمار أو كواكب في دائرة السماء وكذلك عندما استمده من التوحيد غير المرئي لإله واحد. فدائما يؤمن هذا الرب أن يحارب إلى جانبه وربما انه يحمل سلاحه بنفسه لنصرته. ففي احد النقوش السبئية تحدث عن أن الإله السبئي المقة أرسل جنود “لم تروها” قاتلت إلى جانبهم وانصرتهم. وهذا الإيحاء الثابت لتدخل قوة عليا.
وكنت أسأل نفسي هل تتشكل قصتنا في استهلاك حروب دائمة¿
مع هذا التوجه القتالي لماذا لم يتحول هذا النزوع إلى إمبراطورية هل نصدق حكاية فتوحات الملك شمر يهر عش أو الملك اسعد الكامل. فالفتوحات التي قاما بها دارت في محيط اليمن وربما اتسعت في نطاق الحجاز ممتدة إلى طريق فلسطين. سأقول شيء عندما تنبه الإسرائيليون إلى قصة الإمبراطوريات أي بعد الأسر البابلي وكيف يمكن لأن يتحول يهوه إلى قبلة كونية للعالم فقد تهاوى هذا النزوع في تقوقع ابدي لتمجيد هذا الرب قبيلة بعينها أي استهلاكه في دائرة الأب الاثني وبالنسبة لي تحضر المسيحية كحركة إصلاحية داخل الدين اليهودي أرادت الخروج من عباءة القبيلة إلى المسرح الكوني. وعندما كانت فتوحات شمر كقائد حميري توشمها الانتصارات المحلية في دائرة اليمن الواحد فقد صار اليمني كذلك تتملكه وهم الإمبراطورية بعد أن شارك في إنشاء إمبراطورية كمحارب أو فاتح لكن انتصاراتها غالبا ما تؤول إلى مركز قرشي امتاز بكونه منبع الدين العالمي الجديد الذي دعا لرب واحد. فا عادت المخيلة الدرامية إنتاج هذا الوهم الإمبراطوري بجعل شمر سيدا لعالم لم يعرف كما أعادت المخيلة اليهودية تصميم سليمان كهذا الملك الكوني. تشترك الشعوب التي تعرضت لخيبات في كثير من تصوراتها لكن ما يمتاز به الإسرائيلي هو قوة الذات المثابرة على التوحد والانصهار في نفس الوقت. ورغم الشتات وما تعرض له من عذابات ونبذ عنيف من مجتمعات تعددت لكنها اشتركت في قيه بكل قسوة فكان انتصاره في إنتاج هذا المفهوم الكوني لتواجده الثابت والملتبس مع تنويعات عالمية للأعراق والثقافات هكذا امتاز بتأثير يفوق حجمه وعدده بتحوله إلى مفارقات تتفوق كل أعراض العذابات وبتشبثه المحق لأن يكون ذاته أينما كانت هناك عذابات لكن الإشكال المتعصبة تحاول أبدا القضاء على التجاوزات فان يفقد الإسرائيلي هذا التعدد المبهر والمتحقق رغم كل أشكال الإقصاء التي تعرض لها فقد أراد أن يتتبع تاريخ عذاباته ويخضع لها عندما تحققت له فكرة وطن ثابت واستبدل دوره في المقابل بل استعان بأقصى المقابل فأراد أن يكون هو شبح الآخر في ذاكرته وأن يرسم ذاته في هندسة آخر تم تحديده من رب الشتات.
مع ذلك يفتقر اليمني لثبات وقدرة مماثلة لكن استطاع أن يكون حتى في هجراته متغنيا بينبوع أرضه القديمة وعندما تشكل في أوطان أخرى أحيانا أراد التحول إلى عصبة تقابل المضرية. في عالمنا هناك قيم مشتركة فالأنبياء لم ينجحوا في مراكز الحضارات بل من هوامش الغابات أو الصحاري فالعيش في ضجيج الصراعات لا يخلق هذا البعد المتسائل بل ينشغل بأشكال جاهزة وهكذا عندما غادرت المسيحية مركز نشئوها متغلغلة في المجتمع الروماني تحولت كذلك إلى صيغة دولة تعرف أن الانشقاق الديني ينتج عنه انشقاق سياسي. ربما لم يكن لدى ملوك حمير المتحولين في الدين إلى هذا الحس المتعاطي مع واقع التحولات المجتمعي

قد يعجبك ايضا