تكاثرت الأقوال وقلت الأفعال

د. عبدالعزيز المقالح

 - 
يجدر بنا نحن العرب أن نعترف بأن ضوضاء الكلام قد صارت أقوى بما لا يقاس من ضوضاء وسائل النقل والمولدات الكهربائية المنتشرة في منازل المدينة وأن أقوالنا لا تتطابق

يجدر بنا نحن العرب أن نعترف بأن ضوضاء الكلام قد صارت أقوى بما لا يقاس من ضوضاء وسائل النقل والمولدات الكهربائية المنتشرة في منازل المدينة وأن أقوالنا لا تتطابق مع أفعالنا وأن هناك انفصاما حقيقيا بين ما نقول وما نفعل. وإذا عرفنا كيف نعالج هذا الخطأ الفادح في حياتنا فإنه –حينئذ- يمكن القول بأننا قد بدأنا نتخذ موقعنا على أول الطريق الصحيح.
وفي القرآن الكريم إشارة غاضبة وصريحة الإدانة لهؤلاء الذين يقولون مالا يفعلون لكن الوعاظ والكتاب لا يقتربون من تلك الإشارة البليغة والدالة لأسباب كثيرة منها أن لا تعود عليهم أنفسهم ويسمعون من يقول لهم أو لكثير منهم: وأنتم أيضا تقولون ما لا تفعلون! مما يجعل الباحث في الوضع العربي يدرك أن الانفصام شامل وأن المجمعات العربية باتت في هذا الشأن خاصة شريحة واحدة يتسابق أفرادها في إطلاق الأقوال التي تحل محل الأفعال أو تبرر التنصل من أي عمل يعود على هذه المجتمعات بالفائدة المرجوة. ولا بد لكي نبرأ من هذا الداء الشامل والقاتل ومن نتائجه المرعبة أن نعترف جميعا بأننا واقعين تحت سلطة هذا الداء أي سلطة الكلام الفارغ الخالي من المعنى ومن الهدف وأن أقوالنا جميعا لا تتطابق على الإطلاق مع ما نقوله ونردده صباح مساء ولعل الاعتراف يخلصنا من الاستسلام المشين لهذا الداء الذي لم ينتج سوى مزيد من الضوضاء والابتعاد عن واقع الحياة.
ولا يجوز تحت التعبير الشمولي أن نساوي بين أقوال رجل الشارع ورجل السلطة. وإذا كانت أقوال رجل الشارع أو ما يسمى بالرجل العادي لا تتطابق مع أفعاله فإن جهله بالشأن العام يغفر له وقوعه من هذا المسلك العقيم وأخطاؤه محصورة في نطاقه الضيق وعلى العكس من ذلك حينما لا تتطابق أقوال المسؤولين عن شعوبهم مع أقوالهم حيث تبدو على درجة عالية من التناقض المثير للتجريح أحيانا وللسخرية أحيانا أخرى. وما أكثر القيادات العليا والوسطى وكبار الكتاب في الأقطار العربية الذين يقولون ما لا يفعلون أو بعبارة أخرى يعملون بخلاف ما يقولون وهناك من الباحثين من يعكفون على دراسة خطب عدد من الزعماء العرب الراحلين للمقارنة بين الأقوال المنجزة والأفعال غير المنجزة وقد يتوضح من خلال هذه الدراسات الفارق الأكبر بين القول الرسمي والفعل الرسمي بين الوعود وإخلاف الوعود.
وفي اعتقاد الكثيرين أنه لم يكن مطلوبا من الحكام العرب الراحلين ولا من الحكام العرب الحاليين أن يصعدوا المنابر ويكثروا من الخطب العصماء بمناسبة وبلا مناسبة أو أن يبالغوا في الأقوال ويوسعوا من مساحة الوعود وهم أول من يدرك إمكانات بلادهم وظروفها القاسية وما ينتاب أبناءها من خلافات وطموحات متناقضة ومتصارعة. وكان يكفي أن تكون أقوالهم في حدود استطاعتهم أو أن يلتزموا الصمت فالصمت في كثير من الأحيان وفي كثير من الأحوال يحمي صاحبه من المبالغة والتناقض وما هو أقسى من ذلك وأعني محاسبة شعوبهم على أقوالهم التي لا سند لها في الواقع والتي لم تكن في كثير من الحالات سوى كلمات عامة لتسكين أوجاع المواطنين وتهدئة مشاعرهم وهو ما أصبح في الوقت الراهن مكشوفا ومرفوضا وغير قابل للبقاء والاستمرار.
وسبق لي منذ ثلاثين عاما وأكثر أن نشرت في هذا المكان من هذه الصفحة مقالا يدور حول الأمثولة التي تداولها كثير من المفكرين عن أحوال العرب في ماضيهم البعيد وحاضرهم القريب فقد كان الأولون –كما تقول الأمثولة- يفعلون ولا يقولون وجاءت من بعدهم أجيال تقول وتفعل ثم جاء جيلنا العربي المعاصر الذي يقول ولا يفعل. وأتذكر أن أحدهم علق على ما كتبته بقوله أنه يخشى أن يأتي جيل لا يقول ولا يفعل وقد علقت بدوري على كلامه بأن ذلك الجيل وهو جيل الصمت إذا ما جاء سيكون أرحم بنفسه وبالآخرين من هؤلاء الذين يملأون الأرض العربية ضجيجا وعجيجا ويصمون الآذان بما لا يزيد الناس إلا خبالا ووبالا وحيرة وذهولا. ورب سامع أوعى من متكلم ورب صامت أكثر فهما وإدراكا بالأمور من سامع ومتكلم.
الشاعر سيف الجوفي وكتابه (القبلية بين الشريعة والقانون):
الكتابة عن القبيلة لاسيما في هذه المرحلة ينبغي أن تكون صادرة عن وعي ومعرفة شاملة للمكونات الوطنية. والشاعر سيف الجوفي شاعر ومثقف ومتابع دقيق للمناخ القبلي الذي نشأ فيه وما يزال يعايشه حتى الآن. وكتابه تحليل عميق وواقعي ورصد للإيجابيات والسلبيات بعيدا عن الاستفزاز والمجاملة. الكتاب من إصدارات الهيئة العامة للكتاب ويقع في 234 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
قد شبع الناس كلاما
ووعودا
لكن الجوع يطارد

قد يعجبك ايضا