اصمتي أيتها المدينة!

د. عبد الرحمن عبد الخالق

 - ماتت الخالة الجدة عيشة عيشة يوسف إبراهيم المعروفة بـ(عيشة عرور) بمعنى «عيشة الصغيرة» باللغة الصومالية أول سائقة تاكسي في الجزيرة والخليج بل والأرجح أن تكون أيضا على مستوى المنطقة العربية بأكملها.
ماتت الخالة الجدة عيشة عيشة يوسف إبراهيم المعروفة بـ(عيشة عرور) بمعنى «عيشة الصغيرة» باللغة الصومالية أول سائقة تاكسي في الجزيرة والخليج بل والأرجح أن تكون أيضا على مستوى المنطقة العربية بأكملها.
اقتحمت عيشة مهنة كانت حكرا على الرجل وما زالت أحبتها وأخلصت لها. أخذت مكانها خلف مقود سيارة «الأوبل» تحفة ذلك الزمان كان ذلك في منتصف خمسينيات القرن الماضي وعلى مدى سنوات تجاوزت العقدين لم ترتكب «عيشتنا» أي مخالفة مرورية ولم يقتصر الأمر على قيادة السيارة بل وكانت تقوم بالصيانة الروتينية البسيطة للسيارة. حصلت عيشة على الكثير من الشهادات التقديرية من السلطات البريطانية ومن الحكومة الوطنية قبل الاستقلال الوطني آخرها كان في عام 2006م.
عيشة عرور أو عيشة الصغيرة باللغة الصومالية.. ألا يستحق منا هذا الاسم أن نقف أمامه طويلا أن نحني له قاماتنا أن نبجله ونرفعه مكانا عليا¿.. إلا يستحق –مثلا- من وزير النقل ومن السلطة المحلية التي تتربع في مربع «بنجلة الشيطان» بالمعلا أن يحضروا جنازتها ويواروا جثمانها التراب¿ ألا تستحق من رئيس الحكومة الذي ولد وتربى وعاش شطرا من حياته في المدينة نفسها كريتر التي عاشت بها عيشة يوسف بعد أن انتقلت إليها من مسقط رأسها الشحر بمحافظة حضرموت ولفظت أنفاسها في بيتها المتواضع في حي شعبي من أحياء كريتر أن يعزي أهالي مدينتها عدن باعتبارها وجها وضاء ومشرقا من وجوه هذه المدينة بعد أن أهملت في حياتها أم أن كتفيها التي أنهكهما الزمن لم يحمل يوما نسورا ونجوما أو لم يكن والدها شيخا قبليا كبيرا أو صاحب مال وجاه ففقدت بذلك أهلية أن تكون من أهل الحظوة.
عيشة عرور.. معنى كبير عند أبناء مدينة عدن وعزيز اسم يشكل جزءا من ذاكرة هذه المدينة المنهكة ولذا لزم الكتابة عنها وترك ما دونها.
وفي هذا المقام.. يستوجب ذكر الصحفية الإنسان لبنى الخطيب لتذكيرنا بعزيزتنا عيشة إبراهيم الصومالية الأصل العدنية الهوى والهوية.. ومرافقتها لها في مرضها وفي موتها.. فلها كل العزاء ولنا.. وللفقيدة نوم مريح في دنيتها الجديدة.

( من نص «والبحر إذ يغري بتحويله إلى سلتة!»
الأسماء هجت أم هاجرت¿
والمكان هل غير موطنه¿
ماذا حل بك يا هذا¿
هل أصبت بالصمم¿
هل بالعمى أصبت¿
أم أن المكان والأسماء أنكرتني.. خاصمتني¿
ربما¿¿..
لا أظن ذلك!!
فكم توسدنا معا الجوع والكرامة والأمان عند طرف الشارع…
شارع الصومال بالمعلا
حيث الصوماليات يفترشن قعائد الحبال
وينمن لصق أبواب بيوتهن
يومها لم تكن الكهرباء تعرف العتمة
يوم كنا نتسامر في الدوكيير وأرجلنا تداعب أمواج البحر..
أو نذهب إلى رصيف التواهي ننتظر صوت الأبواق الشاحبة للسفن الوافدة..
أو نحوس في السيسبان ونرقص على أصوات صرير أبواب تفتح على رغبة وتغلق على تنهيدة…
لم تكن الأمور -حينها- تحتاج إلى سيارة زائر ولا إلى شقق مفروشة بالعطن وبروائح الحلبة
لم يكن البار هاوس قد انقلب يومها إلى بار توفيق الرحمة يا ربنا!..
وبنجلة الشيطان – التي كنا ننظر تجاهها أطفالا– باطراف أعيننا
حيث سكن الجبرت.. ولم يغادروها بعد..
آه.. كل شيء تغير في هذه المدينة…
تعبت.. تعبت.. توسدت الرمل الطائر!

قد يعجبك ايضا