استبدال الهوية الثقافية : ثقافة العاجز

خالد القزحي

 - لا يمكن لمجتمع إنتاج أدب خاص يحمل هوية المجتمع نفسه إلا إن كان إبداعه خالصا من فلسفة  المجتمع الذي ينشأ منه وإثباته كميزة للمجتمع محليا و عالميا ليأخذ قوته و يمكن

لا يمكن لمجتمع إنتاج أدب خاص يحمل هوية المجتمع نفسه إلا إن كان إبداعه خالصا من فلسفة المجتمع الذي ينشأ منه وإثباته كميزة للمجتمع محليا و عالميا ليأخذ قوته و يمكن تصديره كمنتج قوي لبقية البلدان. لا أقول هذا مداهنة لماهية هوية الأدب اليمني وإنما يقينا بأن الأدب الذي يكون مصدره الوهم المتسم بقدرة الأدب المنسوخ أو المستوحى باسم التجديد والتحديث لن يكون كالأدب الناشئ من بيئة وفلسفة مصدرة. كيمنيين ما زلنا نرى أدبنا وثقافتنا اصيلة وتتلائم مع ذائقتنا ولكن في نفس الوقت لا نستطيع أن نيقن أنه يمكن عولمته عربيا على أقل التقدير كما الأدب المصري و اللبناني و السوري وغيره في شتى النواحي الأدبية و خاصة الفنية. قد يكون هذا صحيحا إن كان هذا مجتمعنا هو الأقوى اقتصاديا و سياسيا و ربما عسكريا بتحقيق نظرية الهيمنة لانتونيو قرامشي للجانب الثقافي حيث يتم فرض الأدب و الثقافة على بقية البلدان و إقناعهم أن ما نمتلكه هو الأفضل. نعرف جميعا على سبيل المثال أن الثقافة الأمريكية هي السائدة عالميا ولعل أبرز مثال في الجانب الثقافي هي وضع معايير للملبس وأسلوب الحياة ومعاني القوة عن طريق شبكات الإعلام الإمريكية و أفلام هوليود وفوكس الرائدتان في هذا المجال. جاك شاهين في كتابة ( Reel Bad Arabs – سيطر على العرب السيئين) يوضح دور الهيمنة الأمريكية في نشر الثقافة الأمريكية عن طريق الأفلام التي تعولم فكرة همجية و ضعف و شهوانية العرب بصورة نمطية يتم نشرها عن طريق الخداع الثقافي و طمس الهوية العربية وجعلها وكأنها حقيقة ليس أمام الغرب فقط و لكن أيضا أمام العرب أنفسهم حتى أصبحت أشبه ما تكون بحقيقة يصدقها الجميع. هنا تكمن القدرة على السيطرة.
العوامل الاقتصادية والعسكرية والسياسة تعمل أدوارها في بيان من هو الأفضل وأي ثقافة يجب أن تكون الأقوى في عصر العولمة (الأمركة والتغريب). وبالتالي يتم بشكل غير متوقع نقل الثقافة من بلد إلى أخر على أنها الأفضل و الأحدث بكافة مدخلاتها وهنا تتضرر الهوية الثقافية للبلد المضيف والذي يصبح مصدرا لنشر هذه الثقافة لبقية البلدان وترويجها على حساب ثقافته و هويته نظرا لسيطرة الثقافة الدخيلة على الثقافة المحلية المنظور إليها على أنها تقليدية و لا تحاكي الحداثة المشكلة تتضاعف عندما نرى يدافع عن ذلك المثقفون المتحررون من ثقافتهم والمنطلقين بشغف نحو الحداثة -بدون مكابح- تحكم توجههم و إهانتهم لهويتهم وثقافتهم الأصلية فيصبحوا مهما علت أقلامهم مجرد صدى لثقافة لا تنتمي إليهم رغم أنهم أصبحوا منتمين إليها بفعل وهúمö معاني الحداثة و التجديد. لا يمكن أن تكون المرآة هي الصورة مهما طابقتها ولهذا أستغرب من أولئك المبدعين الجدد حين يحاولون تلويث أصالة ثقافتنا بصورة غريبة عن طريق إدخال أنماط فنية كالراب و الروك غنائيا وتحليل الحرام شعريا و نشر ثقافة علاقات الحب والخيانة في المسلسلات. لا أريد أن أقول أنني أدافع عن مزايا المجتمع المحافظ ولكن أؤكد على أن معنى الحداثة المشهور بـ(تقليد من هو أفضل إقتصاديا و سياسيا..الخ) يجعلنا نتجه لهاوية ثقافية تضع هويتنا اليمنية في الحضيض بمجرد السماح لمثل هذه الأشكال الحداثية (في نظر البعض) منهجا لعملية التجديد.
يجب أن نعرف أن التجديد الحقيقي هو عملية التطوير وليس طمس الماضي ومقتضياته. فنيا لا أعتقد أننا نحتاج للراب ليدخل علينا بصورة يمنية إلا من حيث المزحة أو الأعمال الكوميدية وليس كلون غنائي يمني لإن لدينا ما لا يمتلكه الأخرون من موسيقى و لحن و أدوات موسيقية . المزمار مثلا أو طاسة البرع أو حتى الصحن و الطبلة الذي أعتقد لو سمعها كبار الموسيقيين عالميا بشكل فعلي لأصبحت هذه الأدوات و أصواتها عالمية. الموسيقار ياني مثلا يستخدم كل ما وقع على سمعه من موسيقى أداة غريبة من كافة الدول في حفلاته التي يقيمها في أشهر أماكن العالم ويستمع له ملايين الناس. لم تكن تلك الأدوات والأصوات مألوفة فأصبحت معولمة قادرة على إختراق جدار كل بيت يحب أن يستمع لياني ومعزوفاته. لدينا في مجتمعنا صوت البال والدان والمحضاريات والبدويات والتهاميات وأشكال كثيرة جدا من ألوان السلم الموسيقي وما زلنا نذهب لتقليد ألوان كانت بالأصل تنسخ منا قدراتها الفنية و أصبحت معولمة عربيا. بالطبع أنا لا أتكلم عن التوقف عن مطالعة وانتظار الجديد من كافة الدول فاكتشاف كل جديد يشجعنا على أن نعطي جديدا وننافس بقدراتنا و فلسفتنا عن طريق نظرية المحاكاة (Mimicry) التي نظرها الفيلسوف الهندي هومي بها بها في كتابه (Location of Culture موقع الثقافة)

قد يعجبك ايضا