غفوة..
محمد المساح


أخذت بيده وجذبته بعنف شديد إلى مضمار السباق وركض.. بين الدهشة الطفولية الطازجة وانتقال البصر وهو يتحسس الأشياء.. كانت شهقته الأولى أبهجته الحياة بالضوء الباهر وتتابع الألوان دار الفرح دورته الكاملة في مسام الطفولة وقلب النظر كرات يلامس سطوح الموجودات ولا يتعمقها سحرته الأشياء بتكويناتها العجيبة وأشكالها المختلفة حضورها وغيابها اختفائها الفجائي وعودتها الفجائية.. أثارته الحياة وفجرت في مشاعره الصغيرة دهشة مضاعفة.
تاه في المضمار بين الراكضين مسرعين متعجلين متأنيين متمهلين ركض بسرعته المحدودة حتى نهاية الخط.. مسح بأصابعه على وجهه وأبتلت بالعرق الغزير أغمض عينيه لحظة وفتحهما من جديد كانت شهقته الثانية استمزج الحياة.. أخذت بيده وجذبته بهدوء هذه المرة وقالت له مشجعة: تحين الآن الدورة الثانية في مضمار السباق فأركض بأقصى ما لديك من سرعة حاول بقدر الإمكان عدم الخروج من الخط ستدفعك تزاحم الاكتاف وشدتها إلى خارج التماس.. حاول جاهدا أن تبقى بعيدا.. وركض مع الراكضين في المضمار.. آخر الواصلين كان نظر خلفه كان الدرب خاليا تماما وأرتمي على الحشيش الأخضر ورأى النجوم سابحة في عز الشمس.. غفا وأخذته معها إلى أرض الأحلام والتوقعات التي لم تتشكل بعد في الذهن بصورها الحقيقية وأحجامها الواقعية فهوى في الحلم حتى وصل القاع.. استيقظ صحا من النوم دعك عينيه كان الفجر لا يزال يرسم أول خيوطه في الأفق وتحسس جيوبه.. فلم يعثر على شيء.. الزحام حوله شديد والآخرون يركضون ومضمار السباق تبدل خطه من دائرة.. إلى خط مستقيم مد بصره.. إلى البعيد ولم تبين نهايته.
جاء من يشد بيده.. وساعده على الوقوف تركته اليد واقفا وذهب صاحبها بعيدا عنه.. في وقفته المحتارة ونظرته الغائمة.. والخط أمامه يمتد بلا نهاية كانت شهقته الثالثة.. ضحك مع نفسه ضحكة هامسة وخرج من الخط.
