بلد العصبويات الصغيرة

جمال حسن


 - في نهاية الأسبوع كان شارع الخمسين مكتظا ومقطوعا بالقرب من إحدى القاعات الكبيرة وكانت السيارات ممتلئة بمسلحين قبليين. قيل لنا أنه "التجمع الوطني لبكيل" أي أن قبائل بكيل تحتشد من أجل توحيد نفسها. وكانت هناك لافتة كتبت عليها

في نهاية الأسبوع كان شارع الخمسين مكتظا ومقطوعا بالقرب من إحدى القاعات الكبيرة وكانت السيارات ممتلئة بمسلحين قبليين. قيل لنا أنه “التجمع الوطني لبكيل” أي أن قبائل بكيل تحتشد من أجل توحيد نفسها. وكانت هناك لافتة كتبت عليها دعوة لتوحيد تلك القبائل وتحت توقيع “قبيلة أرحب”. هل اليمن موجودة في هذا العبث والصراخ. تبدو لنا اليمن مجرد قبائل وقرى وليست شعب أو وطن. بكيل تريد توحيد نفسها وحاشد كذلك ثم هناك دعوات من جهات تدعو لجعل تعز هوية بذاتها أو تحت مسمى “إقليم الجند”. ووسط تلك الدراما العشوائية تبدو اليمن كما لو تسير نحو الكارثة. رجال يكتظون ويقطعون الطرق بمظاهر مسلحة في مدينة يفترض أنها عاصمة لليمن وكل ذلك في مشاريع خارج اليمن.
عند محطة البترول بينما السيارات مزدحمة في طابور لتعبئة الوقود أشار لي شخص بأصابعه تعبيرا عن “النقود” في إشارة للمؤتمر القبلي. وفي الواقع لا استطيع ان اجزم بذلك لكن حين تحدث مؤتمر قبلي أو سياسي أو حتى ديني في اليمن يدور التساؤل حول من هو الممول¿ وبالتأكيد تكون هناك إشارات إلى دول غنية وفاعلة في شأننا المحلي. كما لو كنا كبلد مجرد أكياس مشروعة لاستقبال تمويل من أي جهة المهم تبدي استعدادها للدفع. وأنا لست مع تلك الإشارات طالما ليست هناك دلائل واضحة تؤكد لنا أن هناك جهة ممولة. لذا سنتعامل مع كونها “إشاعات” اعتدنا على سماعها في كل شأن داخلي. مع ذلك أتساءل هل تلك القبائل المجتمعة انتقدت ما فعله مجاميع منها حين اعتدوا على الدكتورة غادة الهبوب في شارع الزبيري في صنعاء. هل العرف القبلي يقبل أن يعتدي مسلحون على سيدة عزلاء وترويعها. يقول البعض أن واحدة من مصائب المال هي تدمير القيم.
أتساءل ما معنى أن تتوحد قبائل بكيل من اجل ماذا¿ ضد من¿ وأين اليمن كجغرافيا وشعب من تلك الخرائط التمزيقية التي تنتعش. قال لي الكاتب سامي غالب زميلي انه عندما تظهر تلك المشاريع الضيقة فإن مجاميع انتهازية تسيطر عليها وتحتكرها. هل صارت اليمن تحت رحمة تلك المشاريع الصغيرة. بكيل تدعو نفسها لتوحيد ذاتها وهذا يعني ضد آخر يمني. كان الأحرى بتلك القبائل أن يكون وجودها من اجل مشروع يمني.
إعلان بكيل وربما حاشد وسنرى البعض يتحدث عن هوية تعز ثم المناطق الوسطى كذلك صعدة كلها مشاريع مقسمة هذه مشاريع تظهر في انقسام كبير جنوبا وشمالا. في الجنوب ستظهر حضرموت وأبين وشبوة وكذلك الضالع وردفان يمكن أن يعود عنوان ظهر في الحقبة الاستعمارية “عدن للعدنيين” حتى حضرموت فيها الساحل والوادي. ثم نسمع عن أبناء تهامة. كلها تمزقات متوحشة. حتى أبناء بكيل الذين اجتمعوا في المؤتمر لا يمثلون أنفسهم أو مصالحهم بل مثلوا مصالح مشائخهم. لأن كل مواطن في بكيل أو حاشد يعاني من القدر اليمني المزعج الفقر وعدم الاستقرار اليمني عنوانه الفقر بينما نخب تستخدم الهويات الصغيرة لتكديس أموالها القبيلي في أحسن الأحوال يكون مرافقا للشيخ يأكل ويشرب و”يخزن”. لكن لا يضمن لابنه تعليما أو عناية صحية بينما الشيخ يمكنه الذهاب إلى مستشفيات حديثة في أوروبا يمكنه تدريس أولاده إذا أحبوا ذلك في أفضل الجامعات.
وعندما تكتظ الهويات الصغيرة فإنها بالطبع ستكون مسرحا لنبوغ الانتهازيين لا نعتقد أنها ستقدم لنا أفضل ما في حاشد أو بكيل أو حتى تعز. وكنت سأسأل نفسي لماذا هؤلاء يتسابقون لتقديم عصبوياتهم¿ هل اليمن بلد العصبويات الصغيرة.

قد يعجبك ايضا