رمزية البحر في رواية “إنه البحر” لصالح باعامر

أحمد صالح الفراصي

 - لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن البحر بنشيده الذي لا يمل تكراره وبكائناته الحقيقية والأسطورية التي طالما شكلتها الذاكرة الإنسانية على مر العصور يجتذب الإنسان نحو كتابة تفاصيل مغامراته على سطحه.ذلك لأن البحر قد تشكل في مخيال الإنسان بر

لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن البحر بنشيده الذي لا يمل تكراره وبكائناته الحقيقية والأسطورية التي طالما شكلتها الذاكرة الإنسانية على مر العصور يجتذب الإنسان نحو كتابة تفاصيل مغامراته على سطحه.ذلك لأن البحر قد تشكل في مخيال الإنسان برموز متعددة ودلالات كونية متنوعة فهو رمز لدينامية الحياة لأنه مكان الولادات والتحولات والانبعاثات مما كان سببا في ارتباط دلالة البحر بالخصوبة والعطاء في العربية التي اشتقت له كلمة تشير للأمومة فهو ” اليم” كما أنه وضعية متحركة ومتأرجحة بين اليقين والشك وهو صورة للصراع الأزلي بين الحياة والموت في آن معا . ومناجاة البحر وجعله من الثيمات الأساسية ليس جديدا في صنعة الرواية إذ يعتبر الفضاء البحري من الفضاءات الخصبة التي تم استثمارها في عصر الرواية الحديث حيث استهوى البحر الكثير منهم لكتابة تجاربهم على أصداء موجاته فأصبحت خالدة خلود البحر في إغرائه ومجهوليته بدءابالأمريكي هيرما ميلفيل في روايته “موبي ديك”و مرورا بالأمريكي أيضا هيمنجواي في رائعته “العجوز والبحر” ونيكوس كازنتراكي في روايته “زوربا” وصولا إلى روائي البحر السوري حنا مينه وغيرهم من الروائيين الذين جعلوا ثيمة البحر قاسما مشتركا بينهم. ولعل الرواية قيد الدرس ” إنه البحر” لا تبتعد كثيرا عن تلك الثيمة الرئيسية التي تمحورت حولها رمزية تلك الروايات السالفة الذكر التي تضعنا منذ عتبتها الأولى قبالة غياب مقصود لما وراء العنوان من مدلولات ينبغي على المتلقي البحث عنها فمن هو ذلك الغائب ¿ هل هي التفاصيل المشهد التي أبدع الروائي في رسمها ¿ أم هي شخصيات الرواية التي اتخذت من البحر أم الأماكن الأخرى التي كانت مجهولة بالنسبة لمن يسيرون على سطح البحر فأوصلهم إليها¿ وهذا التغييب المقصود يفضي بلا شك إلى ضرورة الغور في أعماق المتن الروائي والبحث عن المحرك الحقيقي لمسارات الإجابة عن كل الأسئلة التي فرضتها العنونة . تتألف الرواية من إهداء إلى المكان الأليف ” قصيعر” وثمانية عناوين داخلية تفضي في مجملها صراحة أو إشارة إلى أماكن مرتبطة بالبحر ارتباطا وثيقا وتؤدي إليه بداية بـ” ولوج ” العنوان الداخلي الأول وانتهاء بـ”العناق الحزين” آخر عناوين الرواية. حيث تنامت فيها الأحداث بشكل تصاعدي تخللتها الحوارات والمشاهد الوصفية . وتنامت فيها الشخصيات بشكل تدريجي ليظهر فيها لأول وهلة قرائية أفق البحر الممتد الواقعي الذي يعكس خبرة الروائي ودرايته بطقوسه وكل ما يتصل به فيعرضه بوصفه مصدرا من مصادر الرزق الأساسية في المجتمع وبكونه حالة اجتماعية واقتصادية تتلازم مع الشاطئ الذي يسكن فيه الصيادون وأهاليهم ويتجلى فيها أفق آخر رمزي يتراوح بين انطلاق بطل الرواية “سحيم ” على ظهر سفينته “الفرج ” لاكتشاف بيئات وثقافات كانت مجهولة في معظمها عنه وعن طاقم السفينةلتظهر بوصفها دوالا رمزية لبيئات متحولة قائمة على التغيير والتنافس وبين صراع البطل مع قوى الطبيعة والقوى الأخرى النافية للذوات والرافضة لها والنابذة لوجودها. مؤكدا من خلال تحركاته ومواجهاته المتعددة لأنواء البحر وما يقذفه من صور الهلاك والفناء على غلبة قوة الإنسان العقلية المتمثلة في تصميمه وعزمه وإصراره على نيل أهدافه والوصول إلى ما يصبو إليه متحديا هزائمه وفشله بنضال أكبر ومقاومة أشد وكفاح أقوى . وهذان الأفقان يمتدان على مدى الرواية ويتضافران فيما بينهما ليؤديا مهمة عرض الجانب الرمزي والدلالي الأساس بالإضافة إلى الجانب النفسي والشعوري والجانب الأيديولوجي للرواية برمتها. من هنا يمكن القول إن البحر في هذه الرواية تصوير دقيق لحالة اجتماعية واقتصادية تتلازم مع الشواطئ البسيطة الالنهائي.يها الصيادون وأصحاب المراكب وغيرهم مöن من يعملون في البحر. وهو ما يتكرر في العديد من الجمل الدالة على تفاصيل البحر والحالات المتاخمة له عبر تشخيص البحر بوصفه شخصية مكانية مستقلة واضحة ومؤثرة في الشخصيات الروائية التي تدور في منواله من خلال عرض تفاصيل تعايشها معه وعرض أزماتها ومعاناتها الحياتية الخاصة وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي جعلت البحر يبدو ثابتا داخل الرواية بوصفه معادلا موضوعيا لظواهر متعددة : إيجابية مثل الأمن الاجتماعي بوصفه قرينا للعمل والإنتاج وقرينا للحرية المتجسدة في رحابته وانطلاق الخيال معه لارتباطه المكاني بشخصيات الرواية الذين يطمحون في تحقيق المكاسب وتأمين ضروريات الحياة. وأخرى سلبية مثل تقلبات البحر وغدره المفاجئ بالسفن والمراكب و الغياب المتكرر والانتظار

قد يعجبك ايضا