إنها دعوة للفلسفة !!
سامي عـــطا
منذ فجر المعرفة والفلسفة تعاني من منتحليها وأدعيائها. ألم يشكو أفلاطون في أحد حواراته في الجمهورية من ذلك إنها المسألة التي تصيب الفلسفة بمقتل الفلسفة بالتعريف حب الحكمة منزهة عن أية أغراض إنها بحث عن الحقيقة المجردة ولا تلتقي الفلسفة أبدا مع المداهنة والمؤاربة أو ارتهان العقل الفلسفة في أنقى صورة لها تلتقي مع دعوة كانت وتعريفه للتنوير”خروج العقل من أسره….” إن الفلسفة في نهاية المطاف تحقيق لإنسانية الإنسان ورفع للإنسان عن النوازع والغرائز وضبط لها الفلسفة ارتقاء بالإنسان صوب المدنية والحضارة ألم يقل ديكارت في مقدمة كتابه “مبادئ الفلسفة” (أن أية حضارة تقاس بمقدار ما تمتلكه من فلاسفة) لذا المدنية والحضارة صنوان للفلسفة وتستوي الفلسفة وعشق التفكير بعقلانية نقدية هذا يعني ليس هنالك شيء فوق النقد أو خارجه النقد ملح الفلسفة وسكرها الفلسفة قوس والنقد سهم الحقيقة. ولا يمكن أن تكون فلسفة خارج النقد أو فوقه كما أن الفلسفة فعل تثوير وتنوير وتحرير أيضا وكل فيلسوف ثائر ومنور ومحرر بالضرورة لذا فإن الفلسفة لا تعرف المؤاربة أو المداهنة وكل من يملك مفاتيحها لا يدفن رأسه في الرمل بل يظل رأسه مرفوعا إلى عنان السماء الفلسفة ترفع ولا تخفض تمد صاحبها بكم وفير من القيم والفضائل وتنقي سريرته من الفواحش والرذائل وتهبه مقاما عاليا الفلسفة بما هي بحر المعرفة تجعل المرء أكثر تواضعا ولا يمكن امتلاك ناصية الفلسفة ويغدو فيلسوفا إلا حينما يصل بصاحبها إلى امتثال قول الإمام الشافعي:
” كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي.
وكلما ازددت علما ازددت علما بجهلي.
إنها حكمة التواضع وعدم الإدعاء المعرفي لا يصل إليها إلا كل مبحر في لجة موجها المعرفي من هنا كانت الفلسفة رديفة التواضع وشقيقته ويستحيل أن تلتصق بالغرور أو التكبر ومصيبة الفلسفة أن أدعياءها كثر الأمر الذي يصيبها بمقتل ويجعلها في محل كره وعدم قبول. ومن يعرف الفلسفة ويحبها يسمو سلوكا وتصفو نفسه عن الصغائر ألم يقل شاعر العرب الأعظم وفيلسوفها أبو الطيب المتنبي”تكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين الكبير الكبائر.¿” إنه بيت شعر فيه حكمة بالغة التعبير عن حال من وصل إلى أعلى مراحل التوقير والتقدير للعارف المتمهل المتواضع.
إنها الفلسفة ميزان العقل وتواضعه وعدم إدعائه. لذا احبوا الفلسفة واخلصوا لها وخلصوها من الأدعياء والمنتحلين والمنافقين وهذا فيه تخليصا للإنسان من شقائه وبؤسه. إنها دعوة إلى الفلسفة.
• أستاذ فلسفة العلوم مناهج البحث
قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عدن