خارطة توزيع النشاط الوطني التاريخي القديم
محمد صالح الحاضري
تسببت الارثوذكسية الاثارية في تكريس مركزية ذهنية تاريخية لمأرب وتوجيه الأنظار إليها كما لو أن اليمن ليست مأهولة بالسكان ونشاطاتهم التاريخية كما فككت التطورات الآثارية المعينية بصنعاء عملية تركيز الأنظار إلى صرواح والجوف كالسابق وكذلك سحبت الآثار البرونزية في جبل صبر الأنظار إلى خارج المركزية التقليدية لمارب والجوف وصرواح وبراقش وشبوة وهي نتائج آثارية جاءت متأخرة وتسلط الضوء على تاريخ الهضبة اليمنية وخارطة توزيع النشاط الوطني التاريخي القديم.
يقال إن قرى جبل صبر هي منطقة الحضارة اليمنية الأصلية التي نشأت عنها الحضارات اليمنية الفرعية معين وسبأ وحمير وتحت الجبل نشأت عدنية قرية كبيرة شكلت نواة مدينة تعز فنلاحظ الخزر اللغوي لعدنية يمتد إلى عدن جنوبا وإلى العدين شمالا وعدنية تصغير لعدنية في اللغة اليمنية القديمة تعني عدن الصغرى لكن سيكولوجية التسمية بقدر ماهي تشير إلى عدن كمدينة كبيرة فإن عدنية لا تعني القرية وهو أساس لمعرفة خلفية التسمية غير الموجود في اللغة اليمنية إلا في حالة عدن عدنية عدين فمعنى التسمية الجنة والظاهر أن عدن اسم مؤنث وكذلك عدنية على أساس يشير إلى انثوية المدينة مقارنة بذكورية العدين باعتباره ريفا لا تعني عدين تسمية مباشرة لقرية وإنما لريف من عدة قرى بل ريف واسع أخضر ينطبق عليه وصف الجنة.
إب/ابابا/ابيب
نلاحظ في حالة إب القريبة من عدن وريفها الممتد جنوبا إلى العدين أن إب في اللغة اليمنية تعني الحديقة أو الخضراء وأن الفارق اللغوي بين عدن وإب مترادف في طريقة الوصف للمكان الأخضر بين جنة وحديقة وأنه يمتد إلى اللغات السامية الأخرى ففي الحبشية أبابا وفي العبرية أبيب.
وقد أشار القرآن إلى فاكهة وأبا فلو كانت أبا جاءت كوصف مضاف في غير موضوع الفاكهة أو الخضرة لكان من المحتمل عدم إشراك أبا في نفس الجذر اللغوي السامي لاسم الحديقة أو المزرعة المعروفة بداهة بغرضيتها وشيئيتها الطبيعية كمكان للغروس والثمار علما أن أبا بالقرآن ككتاب للعربية وصف للجنة فأطار الفاكهة والأبا في الآية هي الجنة الموصوفة في القرآن الكريم على القياس المشهدي المعروف عن الجنة بمعنى الأرض الخضراء الدنيوية وتخيل على أساسها الجنة الأخروية.
تظهر من آثار جبل صبر البرونزية مساحة النطاق البيئي القديم للحضارة اليمنية الأصلية من عدن إلى إب كتسميتين وردتا في اللغة السامية الأم قبل الهجرات السامية من اليمن ثم وردتا اشتقاقيا في التوراة وعنها في الإنجيل والقرآن الكريم.
صنعون
يتضح من تسمية صنعاء أنها منطقة النشاط الصناعي ومعروف عن اليمن القديم صادراته الصناعية إلى الخارج واكتفاءه الداخلي وكانت صنعاء منطقة مناجم الحديد وربما كثرة الكهوف واتساعها في الجبال المحيطة بصنعاء عائد إلى أنها كانت مناجم وهو احتمال قد لا يؤكده العلم الطبيعي بقدر علم التاريخ يؤكد حقيقة ما وصلت إليه الصناعة مطلع الألفية الأولى قبل الميلاد ومنتصف الألفية الأولى للميلاد فقد كانت صنعاء منطقة مناجم الحديد فتتم معالجة خام الحديد في نفس موقعه المنجمي وصهره وتقطيعه بأحجام قابلة للنقل بالوسائل القديمة منها آلات نقل سلكية وعجلات دفع يدوي على التضاريس الطبيعية الانزلاقية من جبل نقم إلى مدينة صنعاء أسفل الجبل وهي ملاحظة ملفتة بالنظر إلى حجم منطقة الأسواق مقارنة بحجم المنطقة السكنية الأصغر حجما بكثير في العصر السبئي والعصر الحميري وما ذلك إلا لأنها أسواق تغذي النطاق السكاني اليمني باحتياجاته الصناعية الاستهلاكية وأنه كان متعلقا بصنعاء الغرض التجاري الصناعي أكثر من الغرض السكاني.
أوسان
تتأصل من أوسان حضرموت إلى قبيلة أوس وهي من أعظم القبائل اليمنية وأكثرها اشتراكا في النشاط الوطني التاريخي وأوسان امتدت من حضرموت إلى مارب وإلى المنطقة الوسطى بين ذمار وإب (قتبان) وظلت أوسان دولة مندمجة في النشاط التاريخي اليمني باسم حضرموت ولمعرفة قبيلة أوس أكثر فهي متنوعة النشاط التاريخي فأم النبي محمد أوسية من بني النجار الأوسيين ولقد نصر سكان يثرب الأوسيين النبي محمد بعدما قضى أثنى عشر عاما في قريش لم يتبق فيها غير بضعة وسبعون رجلا وكادت قريش تقتله في ليلة هجرته إلى يثرب قبل أن يشكل الأوسيون بداية من ذلك التاريخ أساس ظاهر الاجتماعية التي بدونهم ما كان لها أن تكون كما أن لأوس نشاط ديني متطور قياسا بغيره وذلك بموجب نموذج أويس القرني الذي كان محمد يتحدث عنه وارتبطت