من ملامح الحس النقدي عند البردوني
■ عبد الرحمن مراد
■ عبد الرحمن مراد –
مارس البردوني النقد بشقيه الثقافي والأدبي وكانت له عدة إصدارات طوال تاريخه الإبداعي والفكري وهو في جل إصداراته النثرية يسعى إلى إعادة تشكيل العلاقات وفق أنساق جديدة متخذا من الماضي نافذة إلى استشراف المستقبل ولعله كان مؤمنا أو مترجما للمقولة الفلسفية التي ترى أن هناك صلات محتملة بين العوالم المتخيلة والعوالم الواقعية .
لذلك فنحن نجده في نقده الثقافي يتعامل مع النص الأدبي بوصفه ظاهرة ثقافية وكانت جل دراساته تبدأ بالسياق التداولي فالسياق المعرفي ثم السياق الاجتماعي والنفسي ثم السياق الاجتماعي الثقافي وكان يربط أهدافه الموضوعية بالنص الأدبي بدءا بالنص كفعل لغوي ثم بعملية فهمه وتأثيره وأخيرا بتفاعلاته مع المؤسسة الاجتماعية .
وهو بذلك يحاول إخراج النصوص المكونة للبنى الثقافية الجمعية في محاولة لإعادة إنتاج دلالتها مخضعا إياها للوصف والتحليل والتفسير والاستنطاق والتأويل .
وهذا المذهب في القول نلمح مصداقيته في جل إصداراته النثرية وخاصة كتابه ( قضايا يمنية ) (وأشتات ) ولعل في استعراضنا لبعض عناوين موضوعاته ما يغني عن التدليل والتحليل في هذه العجالة التي لا تروم أكثر من الإلماح إلى رؤيته للواقع وسعيه الحثيث لإعادة تشكل علاقاته وفق أتساق جديدة تلبي طموحات المتغير الثوري لنأخذ مثلا موضوع ( المسئولية والسؤال ) ( والحركات الثورية مالها وما عليها ) ( وصور الأحداث في مرايا شعرية ) (وثقافة الثورة أو ثورة الثقافة ) وما سوى ذلك من الموضوعات التي تستنطق النص الأدبي وتخلق من أنساقه الداخلية علاقات جديدة متوافقة مع المتغير الثقافي والحضاري .
ولا يكاد النقد الأدبي ينفصل عن النقد الثقافي عند البردوني إذ في الغالب يتداخلان كما نلحظ ذلك في موضوع (النقد الاجتماعي في الأدب القديم) والنظرة الاجتماعية في نقد سكينه بنت الحسين يقول في موضوعه الأول :
( فابن الرومي على فرط حسه الشعبي كان أعلى الأصوات تنديدا بثورة الزنج التي اكتسحت البصرة في القرن الـ 9م كان نقده من وجهة ثقافية لأن أولئك الثوار مجموعة أميين لا يملكون بديلا أفضل :
لهف نفسي عليك أيتها البصرة لهفا يزيد منه أوامي
دخلوها كأنهم قطع الليل إذا راح مدلهم الظلام
وذلك لأن تلك الحركة كانت لا تقدر أن تبين للناس غايتها وأسباب قيامها بهذا تعرضت بعض الحركات للنقد الشعري لعدم فهمها أو لعدم افصاحها عن الانتصار للشعب (أشتات ص 26 ) .
ولعل الدلالة التي أراد الكاتب إعادة إنتاجها غير خافية على أحد من خلال المثال السابق إذ يكاد القول يفصح عن الحركة الوطنية اليمنية من باب الإسقاط وإعادة إنتاج المعنى .
وقد تطرق البردوني إلى قضايا ربما كانت من القضايا المسكوت عنها في خطابنا الثقافي المعاصر مثل الخصومات الأدبية كما في موضوعه ( قيمة أدب الخصومات ) من كتابه ( أشتات ) إذا خلص في هذا الموضوع إلى القول :
قيمة هذا الفن الخصومي معرفة الجديد ومصطلحاته وثورته وإن كانت على حساب جهل القديم أو تجاهله فقيمة أدب الخصومات متطورة بتطور الأدب المختصم منذ كان هجاء إلى أن أصبح صراع عقائد سياسية وعداوات فنية تورد حدائق الأدب ولا تورد بالدماء صفحات السلاح لأن هذه العداوات تثير الملكات دون أن تلوث يدها بدم أحد كالعداوات العشائرية والدولية فالنظافة والإثارة أروع قيم أدب الخصومات ( أشتات) ص 46) .
وأيضا( قصائد المهرجانات ) التي رأى أنها شكلت بحوثا وملاحظات وأثرت الثقافة وأضاءت تبصر الشاعر لكي تكون قصائد المهرجانات للشعر أولا وللمهرجانات ثانيا .
وفي ذات السياق كانت له وقفة نقدية من “ المؤتمرات الأدبية “ التي رأى فيها انها تشكل تعارفا مكررا لا معرفة وقد تؤكد صداقات لا ثقافات وقال أن العراق اول قطر يتنبه إلى المجيد بين المهملين من أنظمتهم فأنتهج مبدأ الدعوات الخاصة إلى مهرجاناته الأدبية متجاوزا الاتحادات ووزارات الثقافه لأنها لا تبعث أدباء حقيقيين وإنما تبعث محاسيب ومحسوبين وقال :
المؤتمرات دليل الوعي السياسي ولكنها ليست السياسة ودليل النضج الأدبي ولكنها ليست النضج لأنه لا يأتي منها وإنما إليها).
ولعل من الضرورة بمكان أن نقف عند موضوع ديمومة المعاصرة وفصول المستقبل إذ يرى أن تعدد ضروب الشعر وتداخل الأصوات بالصوت الواحد أدل على الأصالة الشعرية وعلى استمرار الابتكار لأن تعدد المستويات يدل على تعدد التحولات في المناخات الشعرية ويقول ( أن التفاني في أدبنا المعاصر هو امتداد من تراثنا الدائم المعاصرة كثورية المتنبي على الروم ونقد أبي العلا التهجمي على كل السياسات والدعوات لأن تلك الأعمال إما للفن أو للمسئولية الشعبية امتلكت طاقة الامتداد لامتلاكها لحظتها التاريخية ويرى أن أي عمل مهما كان عظيما يتعطل بفقدانه لحظته