توطين سبـــلة العيد ..!
عبدالخالق النقيب

مقال
لا أحد يكترث لأمر الاستهتار بالوقت كأحد أهم أسرار الإخفاق في حياتنا اليومية ثمة تواطؤ جمعي يمضي في توطين سبلة العيد وتحوله إلى سلوك دارج اعتاده الناس انطلق العالم من حولنا بفضل تقديس الآخرين للوقت ومدى دقتهم وحرصهم في التعاطي معه ونحن على نحو مخجل لازلنا غارقين في سبات عميق نتوارث سبلة العيد ونسعى إلى تأصيلها والتحايل على أيام العمل الرسمي بشتى الوسائل والسبل.
مزاجيتنا المفرطة تتحكم بكثير من مجريات الأمور وتفرض هيمنتها بقوة بل وتجعلنا محصورين داخل دائرة فوضوية لا تحتكم لشيء سوى للفيف من التخبط والأهواء والتشاعيب حتى صرنا نؤمن بالفوضى أكثر من إيماننا بالانضباط واحترام الوقت وتقدير الالتزام فلكم صمت أذاننا بالمثل الدارج (ما بدا بدينا عليه..!) القضية ليست متعلقة بحقنا في الراحة والاستجمام الأمر يتصل بمدى ثقافتنا ووعينا في اختيار الكيفية الملائمة لاستثمار الإجازات والتدبير الجيد لقضائها لتمنحنا القسط الكافي من الاستمتاع والاسترخاء وتعيد فينا روح الحماسة وتجعلنا بانتظار لحظة العودة لمزاولة العمل بلهفة وشوق ونحن بطاقة كافية قادرة على عطاء مثمر بحيوية متجددة.
لا نبرع في جزئية واحدة تتصل بمنظومة الأداء الوظيفي قدر براعتنا في اقتناص الإجازات وفبركتها للتمديد و(مد سبلها) بالطرق التي تروقنا ولا أذكر أني قد صادفت مرة لهفة موظف شغوف بالعمل بمن فيهم من يحتل مناصب قيادية ولا أظنكم قد شعرتم يوما بحماسة أحدهم لمثل ذلك إن من يباشر الدوام الرسمي في الأيام الأولى عقب إجازة العيد لا تدفعه رغبة كافية أو شعور بالمسؤولية من يذهب إنما يذهب لتفادي الجزاءات ولربما أنه سيلتقي بالوزير أو المحافظ أو المسؤول الفلاني ولئلا تفوته جعالة العيد سيظل على مضض و(يفحط) قبل الساعة الحادية عشرة صباحا ولنا أن نتخيل ما هي الأعمال التي سيتم إنجازها في اليوم الأول عدا سلام العيد.
ما لا يدركه البعض أن سبلة العيد قد صار سلوكا دخيلا متفشيا في أروقة المصالح العامة إنه يربك الأداء ويعطل مصفوفة متكاملة من الأعمال ويخلق حالة من الركود الخانق خلال الأيام التالية لإجازة العيد لك أن تتخيل انحدار المؤشرات الأقتصادية ومؤشرات الأداء الوظيفي وحجم الخسائر وتراجع الحركة وانحراف المسار التنموي الناتج فقط عن التعامل المستهتر بالدوام الرسمي سبلة العيد.. مطب آخر..! يعيق مسار حياتنا ويضاعف من تفاقم الفرص وضياعها أمامنا عدم الإيمان بساعات العمل وتقديسها مؤشر لعدم تقديسنا للحياة برمتها كما أن ذلك يعكس دورنا الهزيل والهش وما يمكن أن يصنعه المرء في حياته ..
انتهاكنا للوقت والمضي في توطين سبلة العيد كثقافة وسلوك دارج كارثة بكل المقاييس القيمية والوطنية وحتى اللحظة لم نجد ثمة رادعا أخلاقيا أو إجراء ما بإمكانه أن يصدنا عنه ويزيل الصدأ العالق في رؤوسنا لقد تحولت سبلة العيد إلى حالة هيسترية غير مقبولة نصاب بها لا إراديا .
إننا لا نقدر قيمة الحياة كما يجب ..!