الدين والثورة والجمال

جمال حسن


 - ما هي المواضيع التي تشغل اهتماماتنا في الفترة الحالية. ألا تبدو خالية من الجماليات. هكذا دائما تفسد الاهتمامات السياسية أروقة الجمال. وفي عصر الثورات الكبرى تتراجع القيم الجمالية لأن الأهداف الكبيرة تضلل قيمة الفن وتحوله إلى
ما هي المواضيع التي تشغل اهتماماتنا في الفترة الحالية. ألا تبدو خالية من الجماليات. هكذا دائما تفسد الاهتمامات السياسية أروقة الجمال. وفي عصر الثورات الكبرى تتراجع القيم الجمالية لأن الأهداف الكبيرة تضلل قيمة الفن وتحوله إلى غاية أو غرض يخدم تلك التطلعات. وعلى سبيل المثل خلال ثورات الربيع العربي كم هي الأغاني التي تحدثت عن الثورات استطاعت أن تؤكد قيمتها الفنية بصرف النظر عن الموضوع الذي تتحدث عنه. لا علينا من أنها تعالج اهتمام اللحظة الراهنة لأن الفن لا علاقة له بما هو لحظة إلا في جانب بما يعني أنه يراهن على طبيعة العصر لكن في جانبه الآخر يراهن على ما هو أبدي. كم من الأعمال تلك تستطيع البقاء بعد عشر أعوام أو أكثر.
واحدة من إشكاليات التنظيمات الإسلامية المتطرفة هي تصفية حساباتها المستمر مع الجمالي. في أوروبا كانت الكنيسة تمارس طردها للحريات باعتبارها تمتلك وصية إلهية في تفتيش البشر. غير أن الجانب الذي لم تغال في إيذائه كان الموسيقى والرسم. بل إنها تبنت الجانبين. لذا استطاعت أوروبا أن تتفرد. فصورة المسيح جعلت الكنيسة تتحول أيضا وصية على الفنون وتبنت فنانين مثل رافيل ومايكل انجلو ودافنشي. في الموسيقى تولد الغناء المتعدد الأصوات من أسلوب غنائي كنسي في الأساس. باعتبار أن هناك صوتا رئيسيا قائما على لحن جريجورياني “نسبة للبابا جريجوري” ويصاحبه عدد من الألحان الأخرى تسير معه وبصوت اخفض. ومن هنا تولدت موسيقى أوروبية موحدة انتقلت للشئون الدنيوية وبرز منها عمالقة مثل باخ وموزارت وهايدن وبيتهوفن.. وانتقلت من التعدد الصوتي إلى الهارموني.
أزمة الثقافة الإسلامية أنها راهنت على محاربة الصورة من جهة والموسيقى من جهة أخرى. في أوروبا رغم ما تعرض له المسيح من هدم عبر فلاسفة كبار وموجات الحادية عاتية حتى ظهر مصطلح ما يسمى “موت الرب” إلا أن الكنيسة ظلت صامدة ولم تعد هناك مشكلة بين الاعتراف بنظرية داروين والإيمان المسيحي. لكن الكنيسة تنازلت عن هيمنتها في شئون الحياة واستمرت فقط كعنوان ديني لكل مسيحي. وهكذا استطاعت أن تحافظ على بقائها. كما أن الصورة والموسيقى ساهمت في خلق صلات روحانية مع المسيحي. في القرن الحالي من غير المقبول أن نعيد للصورة روحانية دينية مسلمة بمعنى أنها تنتج صور مقدسة كما كانت المسيحية. لأن العصر تغير. لكن ما لا تعرفه التنظيمات المسلمة المتشددة أنها تقوم كليا على موروث التطرف بدون أي إيقاع جمالي. في الإسلام هناك جماليات وروح شعرية لا نستطيع اليوم رؤيتها وسط ضبابية مفاهيم تدين تشكك من كل القيم التي تعايشت خلال قرون طويلة.
هناك رهان تمارسه مجموعات دينية منغلقة على أساس نبذ العالم وجعله حريا بها فقط واستلاب كل ما هو مسلم وإسلامي لمصلحتها. هذا الرهان يؤسس لإسلام قاسي ينبذ كل قيم الحياة. وهو ما تراهن أيضا عليه مصالح قوى كبرى مثل امريكا. في الوقت الراهن نرى إسلام سني وشيعي غير قادر على تأسيس معادلات حياة بل على بقاء كل جانب من وهم إزالة الآخر.
لكن كيف انتقلنا من الجمالي إلى الديني بهذا التشكل. عندما كنت اسمع لما نسميه أناشيد إسلامية سواء تلك التابعة لمجموعات سنية كالاخوان أو تلك التابعة لشيعية كالحوثيين وحزب الله. لا أجد أي نبض جمالي. كلها محمومة بصراخ واستلاب غير قائم على ما هو إبداعي. كان الأحرى بتلك الجماعات أن تتنافس جماليا بمعنى من منهما قادر على إبداع أغاني أكثر جمالية ذات طابع ديني. في الابتهالات الصوفية سنرى ما هو أكثر جمالية. في كثير من الموشحات القديمة هناك أيضا طابع خاص. غير أن الأغاني التي تنتجها اليوم الجماعات الإسلامية يتم الاستماع إليها من مناصرين دون أن يتحقق فيها سمع. بمعنى أن كل منهم يعتقد أنها إلزام ديني وتندرج ضمن رضا الله أو أنها الغناء الوحيد المسموح به دينيا وعدا ذلك فهو شيطاني. يمكنني النظر لتلك الجماعات في هذا الفراغ الجمالي بكونها جماعات أيضا معرضة للزوال باعتبارها تؤسس لبناء اجيال مؤسسة على الإذعان والعبودية أجيال جاهلة بأدنى قيم جمالية. وإذا الثورات راهنت على طابع الصراخ فإنها ستنتج مآزق رهيبة. وفي اليمن نعاني من عقم جمالي رهيب منذ أزمنة.

قد يعجبك ايضا