الذهاب إلى ما وراء الأسباب

د. غيلان الشرجبي

 - كثيرة هي المؤلفات التي اهتمت بتوثيق "السير الذاتية" للرموز التاريخية ورجالات  العلم وصناع الحضارة ورواد التحولات الثقافية والاجتماعية لتخليد  تلك النماذج
د. غيلان الشرجبي –
كثيرة هي المؤلفات التي اهتمت بتوثيق “السير الذاتية” للرموز التاريخية ورجالات العلم وصناع الحضارة ورواد التحولات الثقافية والاجتماعية لتخليد تلك النماذج الجديرة بأن تظل مصدر إلهام للأجيال المتوالية وان تمثل إبداعاتهم الفكرية وتجاربهم التي أثرت الحياة الإنسانية بروائع المنجزات الدالة على قدراتهم الابتكارية ومواهبهم الخاصة رصيدا يضاف للإرث الثقافي لتلك الأوطان التي ينتمون إليها – أولا – والذي يتضاعف بمدى عالميته ليكتسب بلد النشأة شهرة التصدير لما أسفرت عنه الجهود الذاتية لأولئك العظماء من أبنائها المبدعين عموما.
ثانيا: تأكيدا للصلة الوثيقة بين المبدع والبيئة الإبداعية – المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر – عن بلورة مواهبه بتوفير الظروف الملائمة للتفكير المنطلق واستقلالية الرأي وحرية الاطلاع لإطلاق الطاقات الفردية التي تلعب البيئة الاجتماعية أدوارا – سلبية أو ايجابية – لتعطيلها أو تفعيلها – وتبرز أهمية هذه الصلة المتبادلة بالنظر الى ما يمثله مصطلح (الإبداع العام والخاص) لتلخيص نوعية تلك الشراكة بين (بيئة اخصاب /أو بيئة اجداب) وأن الاستعدادات الذاتية والعوامل الوراثية أشبه بـ ” نواة مختزنة في البذرة ” ومهما تميزت بقابلية جودة الإنتاج فإن سوء تخزيينها في الذاكرة الجمعية والافتقار إلى العناية المكانية والزمانية بما في ذلك نوعية اختيار تربة الاخصاب – إنما يعزز حقيقة أن قابلية النمو وحدها لا تجدي.
والمقصود ببيئة الإخصاب الاجتماعي ليس بوفرة التربة الخصبة فاليمن كما وصفها الخالق سبحانه “بلدة طيبة ورب غفور” كما أثبت المواطن اليمني – بل والعربي اجمالا- قدرات إنتاجية هائلة جعلت الحديث عن “هجرة الادمغة” والبحث عن فرص العيش في المهجر حيث يجد الإنسان في الغربة ملاذا للهروب من مضاعفات الاغتراب في وطنه أدلة دامغة على أن التوقف عند بوادر الأزمات المزمنة دون تحليلها ومن ثم تشخيصها ما لم نذهب إلى ما وراء الأسباب التي أدت إليها وهل يكفي الحديث عن غياب الإدارة الفاعلة وكيف أدت إلى تراكم المشكلات وصولا إلى انسداد الأفق السياسي وبالتالي افتقاد الثقة بإمكانية اضطلاع مراكز القرار بالتحرك لإيجاد حلول مناسبة.. ولماذا هذا العد التنازلي الذي طال كل شي¿¿¿¿
طبعآ هذا كله – رغم أهميته – مجرد قراءة سطحية لا ترقى إلى مستوى التداعيات التي كادت تعصف بالوطن – أرضا وإنسانا – وبلغت ذروتها بشواهد الرغبة الجامحة بالهروب من كوابيس الواقع المضاد لابسط الطموحات الجماهيرية ليصبح التمرد بمثابة ردود أفعال توازي تلك الانعكاسات الشرطية المعبرة عن ارتفاع منسوب الاحباطات النفسية التي تلاشت معها تلك التوقعات الذهنية عن (منظومة القيم الوطنية) التي يفترض أن يلمسها الجميع – بالممارسة السلوكية – تجسيدا للصورة المثالية المتجذرة في أعماق (اللاشعور الجمعي) عن الأحلام الوردية التي-غالبآ ما تتماهى لنستيقظ على الكوابيس الظلامية التي تعيد إلى الأذهان مقولة ” وكأنك يابوزيد ماغزيت”
وما يحدث الآن في ليبيا تونس مصر… وغيرها يؤكد مدى النظرة الاختزالية – القاصرة – التي تكتفي بشخصنة الواقع وكأن ( س ) أو (ص) من الناس ” بيده الملك وهو على كل شيء قدير ” فإذا ما غادر مسرح الأحداث فعلينا أن نستبشر بالانتقال من حال إلى حال فإذا لم يحدث ذلك تضاعفت الاحباطات وبكينا حظنا العاثروراح البعض يحاول من جديد البحث عن بارقة أمل في نهاية النفق المظلم وبذلك تتكرر المحولات دون رؤية واضحة لدوافع الإخفاقات المتكررة وتتضاعف ضريبة كل محاولة.
وما تشهده أم الدنيا دليل على أن لمقاومة إرادة قوى تقليدية متشبثة بمواقعها وامتيازاتها وإن تغيرت أشكالها وألوانها فهي لـ” شركاء متشاكسين ” تجمعهم المصالح ويتنازعون على (الشرعية / الشريعة) التي تلاشت عن الوجودلان الكل لا يريدون معرفة ” أن شرعية الحاكم تنتفي بخروجه عن إرادة المحكومين”وأن الشريعة ملك أمة ليست حكرا على جماعة.

قد يعجبك ايضا