حضور الأسطورة في الفن التشكيلي اليمني المعاصر

د. عبد الله الكوماني


د. عبد الله الكوماني –
إن الأسطورة لها ارتباط بالإبداع وتعتبر الأسطورة مثيرا جماليا للفنان حيث ذلك العالم الخاص والذي يتداخل فيه المعقول بالامعقول والحاضر بالغائب والمرئي بالا مرئي والخيال بالواقع إلى آفاق متغايرة ,والقيمة الفعلية للأسطورة تكمن في أن هذه الأحداث الماضية إنما هي أحداث دائمة تفسر الحاضر والماضي والمستقبل .
فالعقل لا يصنع الحقيقة بل يثبتها أمام عالم الأسطورة الفلسفي والاجتماعي والوجداني فنجد الأسطورة في مختلف أشكال الإبداع حيث قام التصوير المعاصر اليمني على محاولة تأكيد الهوية وكان للأسطورة جزء مهم في إثراء الحركة الفنية في اليمن “وكون الأسطورة نابعة من روح الأمة عنصرا تاريخيا نمطيا معبرا على مر الأجيال عن أعماقها ليستمدوا منها الأداة الفنية والروح التي يجسدونها في أعمالهم الفنية فتخلق جسورا بين القديم والجديد ,وتربط العمل الفني بالكيان القومي للفنان”,حيث يسعى الفنان اليمني المعاصر وخصوصا الجيل الأول إلى الوصول إلى أسلوب يمني معاصر ,قائم على البحث في قوانين وإيقاعات الفن اليمني القديم ودمجها في موضوعات يمنية مرتبطة بتقاليد الشعب وميوله, ومن هنا كان للفنان دور في تحويل الرؤية نحو الأصل والجذور والواقع المعاش, حيث كان إنتاج الفنان في مسار من التصوير اليمني المعاصر .
وخصوصا جيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حيث لاتسعفنا المساحة لذكر اسمائهم ,فقد تبلورت أفكارهم وتجاربهم وتواصلهم مع أحداث العالم من تجارب فنية مستحدثة بجانب بحث بعضهم في بلورة فن يمني قومي مبرزين بذلك للتصوير اليمني سماته وممهدين لمن بعدهم طرق أكثر اتساعا وحداثة وقومية , حيث شملت بعض أعمالهم التي تأثروا فيها بالفن اليمني القديم واستلهموا فيها الحس الاسطوري ,سعيا للوصول إلى استخراج الدلالات الرمزية والقيم الجمالية من الأساطير في الفن اليمني القديم, حيث تمتد جذور الإنتاج الفني إلى العصور السحيقة بما فيها من خفايا وأسرار , كما أنها تعمق الفكر المعاصر من خلال الطراز الرمزي”وقد يختل التوازن في أية حضارة لا تحسب حسابا لحياة الأساطير في وجدان أبنائها وفي تصورات فنانيها ومثقفيها.
وقد حاول الفنان اليمني أن يقدم إمكانيات مختلفة من الأساليب المتنوعة والأشكال المتعددة للتعبير عن موضوع ما ” وفي رسم الأسطورة مثل ذلك الإنتاج الفني تحقق هيئة من اللغة التعبيرية الخاصة للعمل الفني , كما يتضمن ذلك الدلالات المميزة لأسلوبه والتي تتشكل من خلالها الكفايات التعبيرية الخاصة بالفنان.
ذلك لان الفنان المعاصر لا يعبر عن الأشياء كما هي وإنما يعبر عن شعوره بها ,وتفاعله معها وصورته الوجدانية عنها,وتداعياته السيكولوجية نحوها ,فالعمل الفني بمثابة صورة لاستجابة الفنان لموضوع معين , وإذا سلمنا بان الأساطير جزء من العمل الفني فأننا سوف ندرك مدى تأثير الكفايات التعبيرية المحملة بمشاعر الفنان في تشكيل تلك الاتجاهات المحملة بجوهر الفنان الداخلي .
وقد ظهرت الكثير من اللوحات التشكيلية عند الفنانين اليمنيين المعاصرين المتأثرين بأشكال بعض المخلوقات الأسطورية, والتي تتميز بالتعبيرية والتي تدخل الأسطورة في عمق العمل الفني مع شخصية بسيطة واستعمال رموز تاريخية متعارف عليها كالهدد والهلال والحصان ويحاول الفنان توظيفها في العمل الفني.
ان التعبير بالأشكال والمعاني هو قانون الفن التشكيلي عامة والتصوير(الرسم) خاصة وان هذا التغير يقول عنه الفيلسوف “مييرسون” “meyercon” انه لا يمكن أن يتم بدون نظم أو قوانين مع دور الذاكرة البصرية وما تحققه من أشياء من الطبيعة ومفرداتها مع وضع الرؤية التشكيلية للفنان والتي يسعى من خلالها الى صياغة قوانينه الخاصة,والقدرة على التعبير وإيجاد الحلول المبتكرة والجديدة , ومن هذه القوانين استخدام الخيال الذي يعمق الرؤية المباشرة ويكسبها أبعادا جديدة ليحيلها إلى عمل فني مبدع , وذلك من خلال استلهام الفنان اليمني المعاصر تقاليد الفن اليمني القديم وتواصل معه حيث ظلت الأسطورة بخيالاتها وأحداثها ودلالاتها الرمزية مجالا خصبا للفنان ينهل منه كون الاساطير جزءا من التراث لأي شعب من الشعوب.
رئيس قسم التربية الفنية
جامعة ذمار

قد يعجبك ايضا