المجتمع يتجاهل المبدع

• صادق السالمي

• صادق السالمي –

أولا أنا من حيث المبدأ ضد مقولة المعاناة تولد الإبداع, لأنها لو كانت صحيحة لكان جميع الصوماليين مبدعين, بل ولكانت أفريقيا كلها مبدعين بفعل المعاناة الرهيبة التي يعانيها الأفارقة… بالنسبة لمعاناة المبدع سواء أكان يمنيا أو غير يمني فهي ذات خصوصية من نوع ما وتتسم بأنها ذات أبعاد تجريدية ونفسية أكثر منها ذات أبعاد مادية ملموسة والأخيرة بالطبع قد تكون جزءا من الأولى وبعبارة أخرى أقول إن معاناة المبدع مبعثها حدة شعوره ورهافة إحساسه ومشاعره المتدفقة وذكاؤه الحاد وعقليته الناضجة ووعيه المتجاوز وكلها بالمجمل تجعله حساسا في تعامله مع الأشياء والظواهر وتجعله أكثر قدرة على رؤية الأشياء من منظور مغاير وتجعله أكثر قدرة على فهم الأحداث والوقائع أي إنه يكون ترموترا المجتمع ووحدة قياس متغيراته وهذا ما يجعله مختلفا عن غيره وما يجعله في حالة عدم اتفاق دائم مع المجتمع كونه يعي مالا يعيه المجتمع لكنه لا يمتلك من الوسائل ولا من القيمة الاجتماعية ما يجعله يحظى بالقبول المرجعي لدى المجتمع وهذا يفضي به إلى حالة من المعاناة والألم والشعور بالاغتراب والإحباط والاكتئاب والسوداوية و…و… و هذا ما يجب أن تكون عليه معاناة المبدع حالة ترفيه لها بواعث نفسيها وليس لها ارتباطات مادية إلا ما يتعلق بتموضعاتها الفسيولوجية والاجتماعية البحتة المتمثلة ببنية المبدع ومظهره… أقول معاناة الأديب كما أسلفت يجب أن لا يكون مبعثها ماديا على الإطلاق ولا تتعلق باحتياجاته الأساسية كإنسان يتمتع بحقه في العمل والسكن والزواج وغيرها من متطلبات الحياة الكريمة يضاف إليها امتيازات الإبداع كالشهرة والحضور الاجتماعي والاحتفاء والحظوة والمرجعية المعرفية سواء لدى المؤسسات الرسمية الحكومية أو الشعبية.. وهذا هو الوضع الطبيعي للمبدع لكن وما أبشع ما بعد لكن أقول إننا في اليمن نعيش في سياق وجودي شاذ بمطلق تمظهراته!! إننا نعيش خارج منظومة الوجود الطبيعي ولا تحكمنا قوانينه وسننه ولا حتى استثناءاته وطفراته وبالتالي نجد أن معاناة المبدع اليمني لا تختلف عن معاناة غيره من المواطنين يعاني من غياب حقوقه واحتياجاته الأساسية كإنسان يعاني من الجوع يعاني من البطالة وإن كان موظفا يعاني من قضايا السكن والإيجار والمواصلات و…و…و… ومثله مثل بقية المواطنين عليه كل واجبات المواطنة لكنه لا يحظى بأي من حقوقها!! هذا بالإضافة إلى أنه مهمش ولا حقوق له ولا منزلة ولا مكانة ولا شرعية ولا يحظى برعاية الدولة ولا يمتلك أية شرعية أو مشروعية اجتماعية ولا له دور فاعل في إطار المجتمع بل إنه أقرب إلى المنبوذ اجتماعيا يسخر منه الناس ويستهزئون به كونه اتخذ طريقا لا تترتب عليه امتيازات مادية طريقا اقترن بالفقر والفاقة وضيق ذات اليد.. وهذا ما يجعله مصنفا في إطار الفاشلين في المجتمع.. وبالطبع هذا ليس ذنبه فالإبداع عامة والأدب خاصة لم يكن له علاقة بالفقر بالعكس فالأدب في السياقات الطبيعية يدر على الأديب دخلا ماديا كبيرا ويضمن له جوائز شهرة تدر عليه الكثير من المال.. والكثير من الكتاب عاشوا طوال حياتهم ومنذ مقتبل أعمارهم على ما يدره الأدب عليهم من دخل…
أقول معاناة المبدع اليمني مركبة فهو يعاني مما يعانيه مبدعو العالم من تمظهرات المعاناة النفسية للمبدع ويعاني من سوء ظروف حياته المادية كمواطن يمني ويعاني مما يترتب على ذلك من قلة القيمة والمهانة.. وبالطبع المسؤولية عن هذه المعاناة مشتركة ومتداخلة بين المبدع والمجتمع والدولة.. فبالنسبة للمبدع تجده إنسانا خاملا سلبيا لا يحترم نفسه وإبداعه ولا يسعى للحصول على حقوقه ولم ينتظم في إطار مؤسسي يلعب من خلاله دورا فاعلا.. سواء على الصعيد الرسمي أو الاجتماعي أو على صعيد أعضائه وباستثناء اتحاد الأدباء لا توجد مؤسسة إبداعية حقيقية تضم المبدعين وتضمن حقوقهم.. وطبعا اتحاد الأدباء في حالة موت سريري… وبالنسبة للمجتمع كان المجتمع الجاهلي أكثر وعيا من مجتمعنا الحالي وكان للشاعر فيه قيمته ومنزلته ومكانته على عكس ما يعانيه الآن المبدع من احتقار وازدراء وتجاهل المجتمع وبعبارة أخرى النهوض بالإبداع والمبدعين له طابع اجتماعي أكثر مما له طابع حكومي وفي حالة كانت المؤسسات الرسمية متجاهلة للمبدعين فإن المؤسسات الاجتماعية تضطلع بهذا الدور وتشكل حواضن لرعاية المبدعين.. وهذا ما نلاحظه في الدول الأخرى التي تلعب فيها الصوالين والمنتديات والمقاهي الأدبية دورا فعالا في رعاية المبدعين وأبرز الأمثلة على ذلك السعودية التي يوجد فيها ما يقارب ألف وثلاثمائة منتدى ونادي وصالون أدبي أفرزت مشهدا أدبيا ناضجا وراقيا بعيدا عن الطابع الرسمي الحكومي المعيق للإبداع.. أما في اليمن فلا تجد تاجرا أو ثريا أو ميسور الحال يحرص على أن ينشئ منتدى أو ناديا أدبيا ويبادر إلى رعاية المبدعين لكنك تجد أثرياء اليمن بالكامل لا يعرفون من أنواع

قد يعجبك ايضا