جرائم الاختبارات لا تعالج بإجراءات وزارية فقط,

أ.د. عبد الله الذيفاني

 - الاختبارات عملية حصاد لزروع لها جذورها ومسار نمو وتروية ورعاية تنهض بها أطراف عدة, كل يتحمل جانبا من المسئولية في هذه العملية, ومن ثم فهي ليست عملية قاصرة على معلم ومتعلم وكتاب في حجرة دراسية وفي فضاء مدرسي يديره مدير وتعاو
أ.د. عبد الله الذيفاني –
الاختبارات عملية حصاد لزروع لها جذورها ومسار نمو وتروية ورعاية تنهض بها أطراف عدة, كل يتحمل جانبا من المسئولية في هذه العملية, ومن ثم فهي ليست عملية قاصرة على معلم ومتعلم وكتاب في حجرة دراسية وفي فضاء مدرسي يديره مدير وتعاونه هيئة من المعلمين والموظفين, وتشرف عليها إدارة بمستويات تبدأ من المديرية ثم المحافظة وصولا إلى الوزارة, بل هي عملية تشارك فيها المؤسسات المجتمعية والرسمية المختلفة, بما في ذلك القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية, والسلطة بمستوياتها المركزية والمحلية بوسائل إعلامها وهيئاتها المختلفة.. فهي جميعها تشارك وتسهم في تشكيل شخصية الفرد ووعيه وتعمل على نحو تضامني بتوفير البيئة التربوية الحاضنة لهذا الفرد لينمو متوازنا متمتعا بالأمن النفسي والاجتماعي وبرؤية واضحة للمستقبل وتحسس دوره في هذا الفضاء الممتد, وإدراك عميق بدور التعليم في تحقيق هذا التحول.
من هنا فإن بقاء وزارة التعليم تدور في فلك الإدعاء بتحمل المسئولية في الانهيار الذي يشهده التعليم في البلاد, دليل أنها غير مقتنعة بإحداث تحول نوعي في دورها يؤدي إلى إشراك المجتمع بمؤسساته المختلفة في هذا الدور, وبما يعني أن الوزارة لا تريد بالمحصلة إحداث تحول نوعي في أداء المؤسسات التعليمية وتحسين المخرج التعليمي الذي تنتجه, والمعول عليه تحمل مسئولية في التنمية وخدمة المجتمع و..
إن جرائم الاختبارات لم تأت من فراغ ولم تكن وليدة فشل معلم وضعف إدارة, وصعوبة كتاب مدرسي, وقصور في المنهاج التعليمي وفي دور التوجيه والإشراف التربوي, بل هي وليد شرعي لفشل نظام عام بتكويناته الفرعية والمؤسسات الحاملة لوظيفة والرافعة لاهتماماته, فحين نفند تلك الجرائم ومن يقف ورائها ندرك هذه المسئولية التي تتحملها الأطراف المختلفة كما أشرنا.. فالعملية الإختبارية تجري في مراكز اختبارية يشرف عليها, مكتب التربية, المجلس المحلي, الأمن, القوى الاجتماعية, والشخصيات العامة, وأولياء الأمور, كل بالقدر والمدى الذي يتصل بمهامه.. هذا على المستوى المفترض, لكن الواقع ومن خلال دراسات بل وتقارير اللجان الاختبارية أتضح أن كل هذه الأطراف مجتمعة تسهم بفاعلية في توفير الظروف الحامية للجرائم الاختبارية, فاللجنة الأمنية تسهل دخول ” نماذج الغش” والسلطة المحلية تتخذ من الاختبارات ساحة للدعاية الانتخابية فتتدخل لتوفير تسهيلات للطلبة تمكنهم من الغش, والمعلمون والإدارة التعليمية بنسب مخيفة تتخذ من الاختبارات فرصة للكسب غير المشروع فتهتم بجمع ما يفرض على الطلبة من مال مقابل تخليهم عن دورهم القيمي في إجراء اختبارات نظيفة تحفظ حقوق الطلبة وتعطي كلا منهم فرصته في عرض حصاده الذي استغرق تنميته والسهر عليه الأشهر والأيام الطويلة, وبما لا يكافئ الطالب المهمل والمقصر في حصد درجات ومعدلات مرتفعة تضعهم في مراتب تنافسية متقدمة في الحصول على المنح الداخلية والخارجية على حساب من يستحق ذلك استحقاقا يتوافق وجهده واجتهاده… بل أن الجريمة امتدت أمام هذه الحقيقة المؤلمة أن نجد أولياء أمور يقفون بكل قوة وراء أبنائهم ليحصلوا على فرصة الغش في الاختبارات, تحت ذريعة سمعتها من أكثر من ولي أمر, وهي: الحق في هذه الفرصة التي يحصل عليها أبناء المتنفذين والوجهات الاجتماعية والرسمية, وليتمكن الأبناء من الحصول على فرص الانتقال إلى مرحلة تؤهلهم تأهيلا أفضل للمستقبل, يقولون ذلك وهم يتجاهلون إن “الغش” لا يمكن أن يحقق هذا الانتقال, لأن الأبناء يفتقدون إلى القدرات والمهارات والخبرات التي تساعدهم على الولوج في المراحل التالية بإقتدار تعينهم على بلوغ المستقبل المحقق لطموحاتهم, ولو حدث وسمح الله بذلك, فهم لن يكونوا بكل المقاييس مواطنيهم صالحين لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ومن الأطراف المؤثرة في الحصاد وإفساده وزارة المالية عبر سياستها في تمويل الاختبارات فأنا أتذكر من فترات مبكرة من التاريخ المعاصر الممتد إلى ما قبل الوحدة وما بعدها حين كنت أعمل في سلك التعليم والبحث التربوي, إن تقدير وزارة المالية لميزانية الاختبارات يأتي من حرص على التقتير ولم يكن من قبيل الترشيد لرصيد مبالغ فيه, الأمر الذي فتح ثغرات واسعة للفساد, فاللجان الاختبارية بمختلف مستوياتها والعاملين فيها لا يحصلون على استحقاق يكافئ الجهد, ويجدون مواطن ومسئول محلي, ومجالس أباء يقدمون مبالغ أكبر مع رعاية شاملة بخدمات ” خمسة نجوم” ويساعد على ذلك فتح باب المشاركة في الإشراف على الإختبارات لأشخاص لا تربطهم بالعملية أية اهتماما

قد يعجبك ايضا