مدرسة الصوم وتجديد التكوين
حسن أحمد اللوزي
حسن أحمد اللوزي –
< مع حلول مصطفى الازمان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار شهر الرباط في مرافئ الذكر وتعميق الصلة بالقرآن الكريم لا بد من بذل التهاني القلبية الصادقة للإخوة والأخوات القراء بهذه المناسبة الدينية العزيزة ولكل أبناء شعبنا وقيادته السياسية ولأمة التوحيد وذلك أدنى ما تحث عليه وتدفع إليه مشاعر التواشج بعروة الايمان والله المستعان وبعد :
لا بد للإنسان أيا كان أن يجاهد في حياته وبقدر استطاعته من أجل كسر رتابة الأيام بين وقت وآخر وشهر وشهر بل وعام وآخر من اجل التغلب على مراوحتها عند محطة واحدة وأعمال رتيبة ومراسيم محددة تسوق لحياة جامدة أو متبلدة وربما تتحول إلى مخنق يجلب اليأس والحنق فضلا عن حاجة الإنسان حسب فطرته إلى الفرص المتاحة والمبتكرة لصنع التغيير وللتواصل مع ما يحب من الأنشطة والأعمال الصالحة وبخاصة تلك التي تنمي مداركه أو تلبي احتياجاته وتصقل تطلعاته أو تمده بزاد جديد من القوة المعنوية والراحة النفسية والمعرفة المتنوعة والمتجددة التي هو في أمس الحاجة إليها بما في ذلك تحقيق التميز الذي يستشعره في ذاته ومع جميع أقرانه والتمتع بمشاركته وحضوره الفاعل والمثمر في كافة صور الصلات اليومية التي ينشغل بها وأعظمها وأعمقها صلته التعبدية بالله سبحانه وتعالى ورغبته في الارتقاء الروحي الخالص في مدارج التقوى جنبا إلى جنب مع تعزيز صلاته الاجتماعية والثقافية في اللقاءات الحميمة التي تنمي المشاعر الإنسانية المشتركة عقيديا ووطنيا وإنسانيا وعبر وثاق قوي وشفيف من القيم والمثل والأخلاق! وأزكى ذلك صلة الرحم ومودة الجيران.
هذه المقدمة التي انداحت بصورة تلقائية تريد أن تبين بصورة غير مباشرة عظمة الدروس التي يكتسبها الإنسان المسلم من فريضة الصوم وشهر رمضان المبارك الذي يأتي في كل عام ليكسر بروحانية عالية دورة الرتابة الاعتيادية لعام انقضى فضلا عن الحاجة للمحاسبة والتقويم والوقوف المسؤول أمام الإيجابيات والسلبيات النجاحات والإخفاقات الحسنات والسيئات والهفوات والزلات وو… بل وكل ما يستدعي طلب النجدة الربانية رحمة ومغفرة وعتقا من النار وكمفتتح لعام هجري جديد عبر الانخراط الجاد والصادق والمسؤول في دورة تعبدية راقية تدريبية وتنشيطية لاستقبال عام جديد بصورة جديدة وبإحداث تغيرات جوهرية مهمه في حياة الانسان المؤمن وفي سلوكه ومعاملاته وفي قوة معنوياته بما في ذلك صقل الروح والبدن وإعلاء مستويات يقظة الضمير وامتلاك حقيقة القدرة على التغيير والقبول بسنة التغيير في ناموس الحياة وحكمة التجاوز وتحقيق النجاح في النتائج التي تأتي مغايرة لحالة السبات والمراوحة أو الرخوة والارتهان للمخاوف وعدم التطلع إلى الأفضل والانغلاق على الصفات المذمومة كالجبن والجشع والغطرسة والتكبر والتقاعس والبخل والتقتير والخذلان!!
وبذلك يتجلى الفهم الصحيح لفريضة الصوم كمدرسة تربوية شاملة بالنسبة للفرد والمجتمع على حد سواء وكمطهر يفضي لإعادة التكوين – إذا صح التعبير والتصوير – من خلال التأثير المباشر في بناء الإنسان روحيا وجسديا ونفسيا وتنمية صفاته الإنسانية وقدراته الإبداعية والتحملية انطلاقا من فعالية الدرجات التي قد تبلغها في نفسه وضميره أولا مخافة الله وتقواه واستجداء رضاه بالمزيد من الطاعات التي تقرب إليه والنظر الممعن لعلاه بكل النوايا والعزائم والأعمال دون غيره والتي يصاحب بها الإنسان المؤمن فريضة الصوم التي لا ندعي انعزالها عن الفرائض الأخرى لأنها حلقات في نسيج واحد مترابط في جوهر عقيدة التوحيد الإسلامية التي تعمل جميعها على تعميق قوة الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد سبحانه وتعالى له الشكر والحمد.
ويكفي هنا أن نكرر القول بأن فريضة الصوم تعتبر نقلة حيوية لكسر الرتيب في الحياة وإن كانت منتجة حتى تنصقل القدرات والأحاسيس والتطلعات الإنسانية والثوابت الإيمانية بالتوق المستمر لبلوغ مرحلة أفضل في الإنتاج في الحياة ولترتقي النفس إلى منزلة أعمق تواصلا بما هو أسمى وأقوى تأثيرا لإنقاذ الحياة المجدبة وتحقيق المصالح المعطلة وإبحارا لتهذيب الشهوات المتربصة بالنفس الإنسانية!! وتبقى فريضة الصوم في ذات الوقت مصفاة للأوشاب والادران التي تعلق بالإنسان في معمعة كل عام من الكفاح في مد مسيرة العمر!!
ü من نص بعنوان بشارات الرضوان :
الصوم يصفي كل الادران
الصوم سيرقى بك لمراتب في أبراج الرضوان
ويجنح بالأيام إلى خط مدار آخر
يتجلى في الطلع الأفضل
في عمر يتجدد بالإبحار لأفياء النور
والإيغال إلى عمق المستور