لا تحزن

سعيد بامكريد

سعيد بامكريد –

ما أروع الكتب وأجملها ما أصدقها وأنفعها وأنبلها لذا كثير من حملنا بعضها في الحل والترحال خصوصا تلك التي تجمعنا بها مودة ورفقة وحميمية الراشدين من الناس تحتل قراءة الكتب لديهم مكانا واسعا في خارطة وقتهم كما تتسع مساكنهم وبيوتهم لتلك المكتبة المنزلية الأنيقة المرتبة التي غالبا ما تشرف عليها سيدة المنزل ولدى هؤلاء أيضا برنامج دقيق للقراءة المتنوعة يلتزمون تنفيذه بدقة وعناية فائقة كل يوم يبدأونه الخامسة فجرا فيستقبلون يومهم الجديد بمعانقة الخطاب الإلهي وآياته الكريمة من كتابه العظيم ما أجمله من خطاب وما أروعه من عناق وما أعظمه من كتاب.
حديثنا هنا عن كتاب حمل عنوانا جميلا هو لا تحزن للداعية الإسلامية الدكتور عائض القرني حفظه الله هذا الكتاب تمت طباعته عشرات المرات وزادت النسخ عن عشرين مليون نسخة ياترى ما الذي يميز هذا الكتاب لهذا الدرجة.
شخصيا سحرني هذا الكتاب كثيرا لدرجة مكوثه معي دائما قرأته ما يقرب من أربع إلى خمس مرات وفي كل مرة أجد متعة أفضل من سابقتها بل وكثيرا ما حملته معي رفيق سفر في رحلاتي المختلفة ومع الوقت أصبح عندي بدرجة الولع والحميمية لا شك أنها تلك العلاقة العجيبة التي تتسلل إلى دواخلنا بهدوء وسكينة ولا تدري إلا وقد أصبحنا في أسرها إنها حالة الحب وسريان كهرباء المحبة في النفس البشرية فالإنسان يرغب في رؤية حبيبه دائما وكذلك هذا الكتاب الذي أحببته كثيرا وهو الكتاب الأنيق في ألفاظه البهي في عباراته الصادق في محبته العميق في جوهره ومضمونه القريب كل القرب من دواخلنا وأفئدتنا لأنه يدعونا للقرب من الله.
كتب الشيخ عائض القرني في مقدمة كتابه كلاما رقيقا جميلا موضحا المقاصد والأهداف التي دفعته لتأليف هذا الكتاب فيقول:
إن المقصد من الكتاب جلب السعادة والهدوء والسكينة وإنشراح الصدر وفتح باب الأمل والتفاؤل والفرح والمستقبل الزاهر وهو تذكير برحمة الله وغفرانه والتوكل عليه وحسن الظن به والإيمان بالقضاء والقدر والعيش في حدود اليوم وترك القلق على المستقبل وتذكر نعم الله تعالى.
من خلال ما ذكرنا نجد أن هذا الكتاب يتقدم بخطوات واثقة نحو عقل وضمير الإنسان وذلك لأسباب ترتبط في المقام الأول بمشاعر وأحاسيس الإنسان المسلم التواق للتواصل مع خالقه وكذا بسبب محتويات وأفكار وتوجهات الكتاب المليئة بالدعوة إلى التفكير الجاد والعميق والتمسك بالقيم النبيلة هذا الأمر ينتج عنه في تقديري عناق نبيل بين دواخل القارئ المسلم ومقاصد المؤلف مما يؤدي إلى متغير حقيقي في السلوك الإنساني نحو الخيرية عموما والإقبال على الله شكرا ومحبة واعترافا بنعمه التي لا تحصى.
في الحقيقة من الصعب اعتباره كتاب وعظ وإرشاد مع إن البعض يحسبه كذلك ولا ضير لكنه حسب تقديري كتاب محبة لأنه أشبه بهمس القلوب وتلاقح العقول وتقارب الأفئدة.
إن التجوال في مضمون وصفحات الكتاب والانغماس في محتوياته سرعان ما يؤثر في نفس القارئ ومشاعره فيدفعه لتغيير سلوكه نحو الأفضل لذا يمكن النظر إليه بوصفه كتابا في علم النفس الإسلامي بما هو نبيل في السلوك ورفيع في الثقافة ونافع في العمل فالمجتمع المسلح الحق هو مجتمع العمل النافع والخلق السليم.
إذا تأملنا جديا عناوين مواضيع الكتاب نجدها أشبه بـ”روشتة” علاج نفسي حيث يبدو الشيخ القرني وكأنه طبيب نفساني عالي التأهيل بالغ الحرفة أنظروا إلى هذه العناوين:
يا الله.. لا تنتظر شكرا من أحد.. إن مع العسر يسرا.. أمن يجيب المضطر إذا دعاه.. الإيمان هو الحياة.. لا تتقمص شخصية غيرك لا تحزن من الشدائد.. وخير جليس في الأنام كتاب.. ما فات لن يعود.. لا تعجب من الأشرار وكثرتهم.
هذا العناوين وغيرها تبدو وكأنها أدوية وعلاجات للنفس البشرية إحباطها وقلقها خوفها وتوترها حزنها وغضبها ضعفها وسخطها حقا يستحق الكتاب القراءة مرة ومرتين وأكثر أنه عظيم الفائدة يكفي أنه يمنح النفس البشرية راحة كبيرة عند قراءته ويمنحها الكثير من الاطمئنان والهدوء والسكينة.
لا شك أن الشيخ عائض القرني سكب في هذا الكتاب عصارة تجاربه وخبراته في الحياة إضافة إلى مواقفه فيما تحيط به من أمور الدنيا ومشاهدته المختلفة أفراحها وأتراحها..
لا تحزن ليس مجرد كتاب وحسب بل هو في الواقع دعوة بالغة ورسالة عامة لمواصلة الحياة التي هي في الأصل حق إنساني وهبة من الخالق لتأكيد ربوبيته وبعودينا لذا يجب أن نعيشها ونحياها كما يحب ويرضى الخالق جل وعلا.

قد يعجبك ايضا