التجربة التركية ومحاولة استنساخها



د. فؤاد عبدالوهاب الشامي
> ليس من السهل استنساخ تجربة ما وتطبيقها في مكان آخر فلكل تجربة خصوصياتها وظروفها والتجربة التركية المتمثلة بالانجازات السياسية والإصلاحات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية والتي جعل من خلالها تركيا مثلا تسعى معظم الأحزاب في الدول العربية إلى الاقتداء به خاصة بعد أن نجح في المواءمة بين معالجة أوضاع بلاده الصعبة وتقديم نفسه كحزب ليبرالي جاء من بيئة إسلامية يحكم بلد الغالبية العظمى من سكانه مسلمين إضافة إلى نجاحه في بناء علاقة متميزة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية وقد منحت هذه التجربة المواطن العربي الأمل في إمكانية إصلاح الأوضاع السيئة التي يعيشها ونتيجة لذلك ظهرت أحزاب عربية قدمت نفسها لشعوبها على أنها سوف تسير على خطى حزب العدالة والتنمية التركي وستعمل على نقل تجربته إلى بلدانها تارة من خلال حمل نفس الاسم وتارة أخرى من خلال تبني بعض الشعارات التي رفعها الحزب التركي. ولا أظن أن هذه الأحزاب سوف تحقق نجاحا يذكر لأن الاسم أو الشعار لا يعني شيئا إذا لم يقترن بالفعل الصادق والواقعي في ظل ظروف ومناخ يساعد على النجاح كما ان زمن الأحزاب الايدولوجية التي يمكن أن تستنسخ في دول عديدة قد ولى.
لقد تجاوزت معظم الشعوب العربية مرحلة العاطفة في التعامل مع قضايا الوطن بعد خروج المستعمر وسقوط معظم الديكتاتوريات وأصبحت تلك الشعوب تعيش مرحلة جديدة عنوانها العمل على تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية تضمن لها عيشا كريما ومواطنة متساوية في ظل حكم مدني يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات ولهذا تنافست القوى السياسية في الدول العربية على تحقيق تلك المطالب ولكنها لم تحقق أي نجاح يذكر في هذا المجال نتيجة لعدم اكتمال التجارب الديمقراطية في بلداننا وعدم توفر الظروف المناسبة لذلك وبعد أن هبت رياح التغيير في المنطقة وانهيار عدد من الأنظمة العربية نتيجة لذلك بدأت تتشكل قوى سياسية جديدة ترفع شعار تحقيق أهداف التغيير لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة ومعظم تلك الأحزاب تضع نصب عينيها تجربة حزب العدالة والتنمية التركي والنجاحات التي حققها بقيادة الثنائي (اردوغان +جول) في تحويل تركيا من دولة تعاني صعوبات عديدة إلى دولة حققت نجاحات كبيرة في مختلف الجوانب وخاصة في المجال السياسي والاقتصادي وأصبحت تحظى بمكانة كبيرة بين القوى الإقليمية والدولية خلال فترة زمنية قياسية لا تتجاوز سنوات معدودة وباختصار فان حزب العدالة والتنمية نجح في تحقيق الأهداف التي سعى إلى تحقيقها بأياد نظيفة وبالأدوات المتاحة وبوعي كامل باحتياجات البلاد وفي ظل ظروف مناسبة داخلية وخارجية وهنا تكمن الصعوبة في استنساخ هذه التجربة في بلد آخر.
إن صعوبة استنساخ التجربة التركية لا يعني عدم الاستفادة منها لأن الجميع متفق على أن النتائج التي حققتها هذه التجربة لشعبها هي أقصى ما يتمناها أي حزب في الوطن العربي ولكن لا يمكن الاستفادة منه إلا من خلال قيام السياسيين والباحثين والمتخصصين بدراسة هذه التجربة دراسة فاحصة ودقيقة بغرض فهم الظروف التي واكبت نشأة حزب العدالة والتنمية ومعرفة كيف تعامل مع الصعوبات و المشاكل التي واجهته عند وصوله إلى الحكم وكيف نجح في تجاوز تلك الظروف وتمكنه من إقناع الناخبين لمنحه أصواتهم مرات متتالية.
وسوف نحاول أن نستعرض أهم المحطات التي مرت بها التجربة التركية حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن وذلك حتى نتمكن من الاستفادة منها بقدر الإمكان ومن خلال متابعة هذه التجربة نجد أن حزب العدالة والتنمية لم يأت من فراغ ولكنه ظهر من رحم تجربة عريقة في مجال الديمقراطية بدأت في عهد الدولة العثمانية وتعمقت في العهد الجمهوري ورغم أن بدايتها كانت تشبه بعض التجارب العربية مع الفارق الزمني لعمر هذه التجربة وكانت البداية الحقيقة للتجربة التركية عندما سمح مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك في ثلاثينيات القرن الماضي بالتعددية الحزبية وفي أول انتخابات حرة كاد حزب الشعب الجمهوري الذي يرأسه اتاتورك أن يفقد الأغلبية أمام حزب الحرية فاضطر لاستخدام قوة الدولة حتى يتمكن حزبه من تحقيق النجاح الذي يمكنه من إعادة السيطرة على مقاعد البرلمان وعندما جاء إليه قادة حزبه ليبلغوه بالنجاح الذي حققه الحزب في تلك الانتخابات تبسم وقال لهم «الشكر لرؤساء الأقاليم الذين بذلوا جهودا كبيرة للوصول إلى هذا النجاح» وذلك بعد أن كان قد طلب منهم التدخل بشتى الوسائل لمنع الحزب المنافس من الحصول على أصوات كافية تسمح له بمنافسة الحزب الحاكم فاضطر حزب الحرية إلى حل نفسه وبذلك عادت تركيا إلى حكم الحزب الواحد واستمر حزب الشعب الجمهوري بقيادة الحياة السياسية منفردا حتى عام 1946م عندما تم السماح بالتعددية الحزبية مرة أخرى وخلال سنوات معدودة نجح الحزب الديمقراطي في إقصاء حزب الشعب الجمهوري الذي كان يرأسه آنذاك عصمت اينونو من السلطة بعد أن تمكن من ا

قد يعجبك ايضا