الاتحاد الخليجي ضرورة أم ترف¿
–
علي ناجي الرعوي
كنت واحدا من أبناء العرب الذين ابتهجوا وهللوا لمشروع (الاتحاد الخليجي) الذي اقترحه ودعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حتى أن هناك من وصف حماسي لهذا المشروع (برجع الصدى) لموقفي المدافع دوما عن الوحدة اليمنية التى تتعرض هذه الأيام لحملة استهداف ظالمة من قوى داخلية مكبلة بفكر جهوي منغلق وقوى إقليمية تسعى إلى إشعال الحرائق في اليمن في إطار مشروعها الهادف إلى نشر الفوضى في المنطقة عموما.
وببساطة شديدة يمكن القول بأن كل من استبشروا وغمرتهم الفرحة بالمشروع الوحدوي الخليجي سواء كانوا من أبناء البلدان المنضوية في مجلس التعاون أو الدول العربية الأخرى لم ينطلقوا من عاطفة جياشة مجردة تجاه مصطلح (الوحدة) خصوصا بعد الإخفاقات المتعددة التى مني بها العرب في هذا الجانب بل إنهم قد استندوا في ذلك الموقف إلى جملة من المعطيات التي لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها أو التعاطي معها من منظور اعتسافي مكابر:
أولها: أن الدعوة إلى اتحاد خليجي ليست فكرة جديدة .. إذا ما علمنا أن الهدف من وجود مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تأسس في 25 مايو 1981م هو التهيئة أصلا للوحدة الخليجية وهو ما نص عليه صراحة النظام الأساسي للمجلس في المادة الرابعة التي أكدت على أهمية المضي في تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون والتنسيق والتكامل بين الدول الخليجية الست وصولا إلى وحدتها في مختلف الميادين والمجالات وبالتالي فلم تكن الدعوة إلى قيام الاتحاد الخليجي سوى استحقاق من استحقاقات النجاح الذي حققه مجلس التعاون على صعيد التنسيق والتكامل بين دوله وقد حان الوقت بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على قيام ذلك الكيان أن تنتقل مؤسساته من مسارات التعاون إلى فضاء الاتحاد.
ثانيهما: أن المخاوف من فشل الصيغة الاتحادية التى دعا إليها الملك عبدالله بن عبدالعزيز هي مخاوف غير مبررة على الإطلاق فالدول الخليجية تبدو حتى قبل الاتحاد أشبه بدولة واحدة فالأنظمة السياسية متشابهة- والمستويات الاقتصادية متقاربة والسمات الثقافية والفكرية واحدة.. فضلا عن النسيج الاجتماعي القائم على واحدية الهوية على المستوى الفردي والمستوى الجمعوي وهو ما يظهر شعوب هذه المنطقة كأسرة واحدة.. وإذا كان هناك تمايزات فستبقى محصورة في بعض الخصوصيات التى لا يمكن أن تشكل عائقا أمام المنطلقات العامة للاتحاد.
ثالثهما: أن من دعا إلى قيام هذا المشروع الوحدوي هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز المعروف بأنه من القيادات العربية التاريخية وأحد الحكام القلائل الذين اجتمعت فيهم سمات الحكمة والحنكة والرؤية الثاقبة والحس القومي الحريص على إبراز القدرات الكامنة في هذه الأمة.
وشخصية قيادية بهذه الصفات النادرة لا يمكن أن تتصدر لمشروع كبير كمشروع الاتحاد الخليجي من دون استشراف دقيق لمجريات الأوضاع في المنطقة والمتغيرات والتحديات الماثلة اليوم أمام دول مجلس التعاون الخليجي.. ومن ذلك السباق الإيراني-التركي على إخضاع هذه المنطقة التى لا شك وأنها قد دخلت منعطفا جديا ويصعب أن تعود الأوضاع فيها إلى ماكانت عليه قبل ثورات الربيع العربي لأسباب كثيرة أهمها العوامل التي أدت إلى تلك الثورات وما تولد عنها من إفرازات سلبية على الواقع العربي برمته.
وبعيدا