قضية الاجتهاد في الفكر الإصلاحي … الكواكبي نموذجا
–
فاطمة حافظ
الدعوة إلى الاجتهاد ليست جديدة على الفكر الإسلامي فمنذ القرن الثامن العشر أخذ العقل المسلم يعيد النظر جديا في مسألة الخلود إلى التقليد حين شرع بعض الإصلاحيين في بعث قضية الاجتهاد عبر طائفة من المؤلفات من قبيل »عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد« لشاه ولي الله الدهلوي (ت 1762 م) و»إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد« للصنعاني (ت 1768م) و»القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد« للشوكاني (ت 1837 م) و»القول السديد في الاجتهاد والتقليد« لرفاعة الطهطاوي (ت 1873) و»الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد« لأبي النصر القنوجي الذي صدر عام (1879م).
وعلى رغم انطلاقها جميعا من الدعوة إلى الاجتهاد فإن هذه المؤلفات تتفاوت في ما بينها فدعوة الطهطاوي تبدو محاولة خجولة لم تذهب إلى حد الدعوة الصريحة له كما أن بعضها استنسخ أفكار بعض فالقنوجي نقل آراء الشوكاني أما الطهطاوي فذهب إلى ما هو أبعد حين اقتبس أفكار السيوطي الواردة في كتاب »الرد على من أخلد إلى الأرض ونسي أن الاجتهاد في كل عصر فرض«.
حضور الغرب
وإلى جوار هذه المحاولات الأولية يمكن رصد محاولات إصلاحية تالية في مقاربة موضوع الاجتهاد وفي هذه السطور نعرض لرؤية عبدالرحمن الكواكبي (ت 1902م) لهذه المسألة والتي قدمها في كتابه »أم القرى« وأطلق عليها »الاستهداء بالكتاب والسنة«.
منذ البداية نلمح حضورا للغرب أو بالأحرى إقحاما له في صلب مسألة إسلامية حين يفترض أن دعوة الغربيين إلى الإسلام -التي عول عليها كثيرا- لن تغدو ممكنة إلا مع فتح باب الاجتهاد فالكثير من الغربيين هجروا الكاثوليكية إلى البروتستانتية لترجيحهم الاقتصار على الإنجيل والكتب المقدسة وميلهم إلى الإيمان العقلي وطرحهم الشروح والزيادات وغالبية من تحولوا إلى الإسلام هم من البروتستانت الذين يميلون لاتباع الكتاب والسنة ولا يثقون بقول غير معصوم في الدين. وحسب الكواكبي فقد تركوا دين آبائهم وقومهم ليتبعوا دين محمد لا ليتبعوا الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي أو المالكي وإن كانوا ثقاة ناقلين.
وإذا كان الكواكبي قد جعل من الغرب سببا رئيسا وراء الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد إلا أنه أسند دعوته إلى قاعدتين من قواعد الدين الإسلامي الأولى: أن محمدا عليه السلام قد بلغ رسالته ولم يكتم منها شيئا وبالتالي يحظر علينا أن نزيد عليها أو ننقص منها أو نتصرف فيها بل الواجب أن نتبع ما قاله وما أقره وما أجمع عليه الصحابة. والثانية: أن دائرة حياتنا العامة يمكن التصرف فيها كما نشاء مع رعاية القواعد الأساسية التي شرعها الرسول وما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وانطلاقا من هاتين القاعدتين يرى الكواكبي أنه ليس لزاما على المسلم أن يقلد أحد المذاهب الفقهية وحجته أن أئمة المذاهب قد اختلفوا في كل الأحكام تقريبا إلا فيما ندر فلم يمكنهم الاتفاق على أيسر الأمور وأنه