فريد من نوعه
بلقيس الكبسي
بلقيس الكبسي –
لا يزال قابعا في المقعد الأمامي بالقرب من النافذة يمشط أوراق القات بأنامله ثم يمضغها في حين يضع المخلفات في كيس بلاستيكي على حجره بدت تصرفاته ملفتة للنظر في حين لم يهدأ لسانه ظل – كرحى طاحونة – يمجد المهتمين بالنظافة الذين يعون جيدا معنى بيئة نظيفة وصحية ينعم بها الجميع. ظهر هندامه مرتبا وحديثه عن التقدم والحضارة يدل على سعة أفقه وإحساسه بالمسؤولية استهل حديثه عن الثقافة بشكل عام ثم عرج في حديثه عن الاهتمام بالمرافق العامة : الشوارع الحدائق المنتزهات والطرقات الرئيسة والفرعية و… و… وضرورة نظافتها والمحافظة عليها .
ومن خلال سرده لمشوار حياته في بلدان العالم المتقدم أوضح مدى اكتسابه قيما متعددة منها معنى العيش في بيئة صحية ¿! صور مستشهدا بما التقطته عيناه من مناظر جميلة و خلابة تبعث على السرور والانشراح متأثرا بعادات سكان تلك البلدان وقيمهم حول النظافة والاهتمام بالمظهر العام ورعاية البيئة والاعتناء بها ¿!
توغل في حديثه عن النظافة العامة ثم تطرق إلى النظافة الشخصية والاهتمام بالمظهر الشخصي للفرد والجماعة كان حديثه من منطق قوة – فهندامه خير شاهد على حديثه – استرسل مستنكرا على الأشخاص الذين لا يهتمون بمظهرهم ونظافتهم الشخصية ولا حتى بما حولهم نعتهم بالعشوائيين ولا يمدون للحضارة والثقافة بصلة صك كلتا يديه محوقلا .. شبكهما وأردف ساخطا :- وما أكثرهم ..!
أكد بما لا يدع مجالا للشك نوبات الحسرة والألم اللتين تعتريانه فكلما رأى أحدا من هؤلاء تتلبسه الشياطين وتضيق الدنيا في وجهه بما رحبت فالإنسان لا شيء إن لم يكن نظيفا من الداخل بأخلاقه العالية و من الخارج بمظهره اللائق. اتكأ على مقولة ظل يرددها منتشيا وكأنه السباق إلى صياغتها مردفا بثقة عالية: ” إن لم يضف الفرد شيئا إلى المجتمع فهو لا شيء وإن لم يكن له تأثيرا على الآخرين ويزيد إلى محيطه شيئا ذا قيمة فهو عبارة عن عدد زائد لا قيمة له .”
لم يفتأ أن سرد قصصا مؤثرة ومواقف شتى تعرض لها في مشوار حياته اضطرته في أحيان كثيرة لرفع النفايات التي يلقيها الآخرون لأنه لا يتحمل رؤية منظر متشح بالمخلفات والأوساخ .
أعجب مستقلو الحافلة بمنطقه أسلوبه اللائق ذوقه الرفيع وتصرفاته المحمودة فقد بدا لهم رجلا مدنيا ومتحضرا بكل ما تحمله الكلمات من معنى قلما يوجد أمثاله..! انسل الركاب من الحافلة واحدا تلو الآخر بقيت حتى محطة نزولي انزويت في مقعدي الخلفي – عله لم يتنبه لوجودي – أسترجع اسطوانته التي ظل يشجينا بها وروائعه التي سردها لنا فصيرته الحضاري الفريد من نوعه في عالمنا المنعوت بالثالث المتخلف.
فتح زجاج النافذة .. بعد أن أحكم رأسه بـ (شاله) لفه حول ناصيته مغطيا جزءا من ذقنه أخرج رأسه.. أخذ يجول بناظريه إلى الأمام والخلف .. أصابني يقين أنه يتفقد نظافة الشارع أو لعله يستكشف سبب الزحام .
تدلى نصف جسده من النافذة فجأة..! أطلق بصاقه المشبع بعصارة خضراء فاختلط رذاذه بالهواء وكان نصيب من يصادفه أعاد نصفه المتدلي بعد أن لطخ زجاج النافذة – ولم يكتف- أخذ كيسه المحشور بمخلفات مضغه للقات وألقى به على سواد الطريق الإسفلتي بكل سهولة وهوان. حينها فقط أدركت فعلا كم هو مثقف فريد من نوعه…¿!