هيكلة الإدارة الحكومية
غالب حسن البحري

مقالة
غالب حسن البحري –

مقالة
الإدارة في اليمن تحولت من إدارة حكومية للقيام بمهام الدولة وتمثيلها أمام المجتمع إلى ادارة للرعاية الاجتماعية وللبطالة والفساد وذلك ما اضعف اداء الدولة وفشلها في تطوير اليمن والنهوض بالاقتصاد الذي أصبح يتراجع ويتدهور بسبب فشل الإدارة الحكومية في تطبيق الأنظمة والقوانين وفرض هيبة الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار ورفع المستوى المعيشي للسكان.
الوظيفة العامة للدولة بعد ان اخضعت للتقاسم السياسي والقبلي والعشائري تحولت إلى وجاهة ومغنم لتحقيق المكاسب المادية والعينية على حساب المصالح العامة وفقدت دورها الحقيقي في تطبيق النظام والقانون وبناء دولة المؤسسات ان الاختلالات العديدة التي تعاني منها الإدارة الحكومية تحتم على القيادة السياسية سرعة إعادة النظر في هيكلة الجهاز الاداري للدولة على أسس علمية وبعيدة عن التقاسم الحزبي لإنقاذ اليمن من الفشل في إدارة البلاد وانهيار النظام وانتشار الفوضى والصراعات الحزبية والقبلية والطائفية التي بدأت ملامحها تنهش في جسم المجتمع اليمني ومن هذه الاختلالات تفريخ الأجهزة الإدارية لخلق وظائف لاستيعاب مخرجات التعليم العشوائي وتضخم عدد الموظفين مقارنة بحاجة العمل فقد اصبح عدد الموظفين أكثر من مليون موظف معظمهم في أجهزة السلطة المركزية وعدد مرافق الدولة اكثر من ثمانية عشر الفا واربعمائة وثلاثين مرفقا حكوميا على مستوى السلطة المركزية والسلطة المحلية في المحافظات والمديريات وقد زاد الطين بلة تقاسم الوحدات الإدارية على أساس الدوائر الانتخابية وذلك ما ضاعف من أعباء اليمن لمواجهة احتياجات التقسيم الإداري الجديد في حين ان الخدمات العامة للدولة تجاه المواطنين تتراجع وتتدهور وهذه العلاقة العكسية بين توسع المرافق وتراجع الخدمات تثير تساؤلات عديدة عن الأسباب الحقيقية لهذا التراجع.
ومن مظاهر الاختلالات الأخرى انتشار الفساد الإداري والمالي وتمركز القرارات الإدارية والمالية وعدم ربط الوظائف القيادية بقانون الخدمة المدنية وإخضاعها لمعايير الخبرة والكفاءة والنزاهة وكذا ازدواجية العمل في مرافق الدولة والتداخل في الاختصاصات نتيجة التوسع الكبير في هياكل الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة والمصالح بالإضافة إلى أن الإدارة الحكومية ما زالت تتعامل بالروتين العثماني والمصري القديم ولم تستفد من الوسائل العصرية وهموم المواطنين وليس العكس كما هو حاصل مع كثير من القيادات الإدارية العليا التي أدى سلوكها إلى علاقات سلبية مع المواطنين.
إن هيكلة الإدارة الحكومية إلى جانب هيكلة الجيش والأمن تمثل القاعدة الأساسية لبناء اليمن الحديث وتطوير الاقتصاد وتأمين الحياة العادلة للإنسان اليمني الذي لا زال يبحث عنها ويناضل من أجلها ولهذا فعملية تحديث الإدارة الحكومية أصبحت ضرورة حتمية لإيجاد الجهاز الإداري القادر على تحمل المسؤولية بأمانة ونزاهة في بناء اليمن واستعادة سمعته التاريخية. فاليمن بلد الحضارات العريقة بلد الايمان والحكمة بلد الفتوحات الإسلامية بلد العزة والكرامة صانع المعجزات مع الطبيعة التي يعيش عليها لا يرضى لنفسه أن يصبح عالة على الآخرين أو ينتظر ما يقدم له من دعم ومساعدات للتغلب على المشاكل التي ورثها من السياسات الخاطئة التي اخرجته من دائرة الإنتاج والعمل إلى دائرة الاستهلاك والوظيفة العامة التي أضعفت إرادة الإنسان اليمني وجعلته يعيش حالة من الفراغ والصراع الذاتي مع نفسه ومع الآخرين وقبوله بحياة الذل والمهانة والاستسلام لمغريات العصر من حياة الترف والمتعة وحب الحياة المظهرية على حياة العمل والإنتاج.
الجهاز الإداري بحاجة إلى ثورة وطنية لتصحيح مسار الإدارة ومفهمومها وتخليص الإدارة من عوامل الإحباط واللامبالاة واختيار القيادات الإدارية وفقا لمعايير الكفاءة والنزاهة وإعادة النظر في هياكل وزارات الدولة والمؤسسات والمصالح والهيئات التابعة لها بحسب حاجة العمل ورفع عزة وكرامة الإنسان اليمني التي افتقدها بسبب الصراعات الحزبية والقبلية والتي شوهت سمعت اليمن وحولته إلى دولة فاشلة ارهابية متخلفة تشحت المعونات والمساعدات لمواجهة احتياجاتها وذلك بدلا من الاعتماد على موارد البلاد وهي كثيرة وكفيلة بسد الاحتياجات في حالة توفر الإرادة السياسية لإصلاح الإدارة الحكومية وإنهاء الصراعات الحزبية والقبلية وبناء دولة النظام والقانون التي تحمي الجميع.