الواقع والأسطورة (23)

أحمد يحيى الديلمي

 - في بداية الحديث عن مدينة صنعاء قبلة العلم والعلماء وموطن الثقافة والفكر لا بد أن نستحضر كلمات للمفكر الإسلامي أحمد مختار أمبو أطلقها خلال زيارته لصنعاء وهو يشغل منصب مدير عام منظمة اليونسكو كانت الزيارة لتدشين الحملة الدولية لحماية مدينة صنع
أحمد يحيى الديلمي –
في بداية الحديث عن مدينة صنعاء قبلة العلم والعلماء وموطن الثقافة والفكر لا بد أن نستحضر كلمات للمفكر الإسلامي أحمد مختار أمبو أطلقها خلال زيارته لصنعاء وهو يشغل منصب مدير عام منظمة اليونسكو كانت الزيارة لتدشين الحملة الدولية لحماية مدينة صنعاء بعد أن وضعتها اليونسكو في قائمة التراث الإنساني إذ قال في ختام الزيارة: على كل من يبحث عن دور الفكرة الدينية في تطوير وتكوين الواقع الاجتماعي أن يبحر في ثنايا تجربة هذه المدينة الإسلامية العريقة أي باحث يتصف بالمصداقية والموضوعية لا شك أنه سيكتشف أن صنعاء ظلت مركز إشعاع ديني وفكري وثقافي التعاطي استند إلى طرق واضحة قدمت دفعها قوية تعتمد على مرجعية اعتقادية قوية تستمد من سحر بيان القرآن الكريم تأثيره القوي في رسم الصناعات فيذكر البشر بحضارة الإسلام في عصور الازدهار وها هو شعاع الفجر يطل على هذه المدينة من جديد ليعلن انبلاج نهار واعد وانبعاث حياة جديدة تستحضر قوتها من نهج المجتمع الإسلامي الأول .. انتهى كلام السيد أمبو أو بالأصح أهم ما جاء في تصريحه عن المدينة أما بقية الكلام فلم يخرج عن صيغ المجاملة الدبلوماسية التي تقال في مثل هذه المناسبة.

الجامع الكبير المقدس
من البديهي القول إن دور صنعاء الفكري والثقافي والديني في العصر الإسلامي ارتبط بالجامع الكبير المقدس هذه هي التسمية التي وجدناها في عدد من المصادر التاريخية فالجامع كان عبارة عن جامعة دينية ومركز إشعاع فكري اتسم أداء العلماء فيه بالوسطية والتسامح والاعتدال انفتح على كل المذاهب الإسلامية بأخذ الصحيح منها وترجيح كل ما تجتمع عليه الأمة هذه المكانة العلمية أهلت الجامع لأن يكون مرجعية لكل اليمنيين باختلاف مذاهبهم.
هذا المضمون كان العلامة الحجة المرحوم عبدالله عباس المؤيد يترجمه عمليا إذ وقفت أمامه بنفسي وأحد المدرسين المصريين يطلب منه الفتوى فسأله عن مذهبه استغربت وسألته عن السبب أجاب: كي أفتيه بمذهبه حتى تطمئن نفسه أيا كان المذهب الذي يعتنقه فإن الأمور متقاربة الاجتهادات لم تتجاوز الحقيقة إنما الخلاف في آليات التطبيق والأدلة الظنية .. رأيت الدهشة وحالة الانبهار في ملامح الأستاذ المصري طالب الفتوى ما لبث أن أفصح عنها مبديا إعجابا شديدا بالتسامح وبدا أكثر إعجابا بالأفق الواسع وغزارة المعارف والإلمام بآراء كل المذاهب وسبب ذهوله أنها لا تتفق مع هيئة الرجل والملابس التي عليه من شدة تواضعه لله عز وجل هذا نموذج للثقافة التي ترسخت في أذهان هذا النوع من العلماء لأنها كانت انعكاسا طبيعيا لمنهج الجامع الكبير كونه مرجعية لكل هجر العلم المنتشرة في ربوع اليمن وحلقات الدرس المقامة في كل مساجد صنعاء.
في هذا الجانب تحضرني بعض الكلمات للأستاذ المناضل الكبير أحمد محمد نعمان سمعتها منه في مقيل بمنزل الأستاذ المرحوم حسين عبدالله المقدمي حيث قال:
هناك خطأ شائع يروج له البعض بأن خلافنا نحن أبناء منطقة المعاقر مع الإمام كان طائفيا مذهبيا وهذا الكلام عار على الصحة تماما لأننا لم نحس يوما بوجود اضطهاد مذهبي أو محاولة إقصاء أو تهميش للمخالف الذي يعتنق مذهبا آخر بل على العكس كان العلامة الجنداري حاكم الحجرية قبلة ومرجعية كل أبناء محافظة تعز وكلهم شوافع والجنداري زيدي وأضاف المرحوم الأستاذ نعمان: أنا عندي تجربة خاصة في مرحلة تلقي العلم وانتقلت من تعز إلى زبيد ثم إلى الجامع الكبير لم أحس بوجود فوارق أو حالة تشنج وامتعاض أو رفض للآخر المخالف في أي من هذه المدارس الفقهية وإن وجدت خلافات حول بعض القضايا الثانوية كان الإجماع الملاذ لتقريب وجهات النظر وإذابة جليد الخلاف ثم ابتسم وقال: هذا الموقف ذكرني بموقف مماثل بعد أن شكلت الحكومة حضرنا إلى الرئيس السلال لأداء اليمين بعد أن غادر الوزراء أمسك بي الرئيس السلال أنا والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وطلب منا الخلاص من الأشياء والمواقف التي تنم عن الطائفية نظرت إليه باستغراب وقلت: صدقني يا سيادة المشير شعبنا سليم من كل هذه الأعراض وأكاد أجزم أن المواطن العادي يندهش إذا سمعها تتردد على لسان الساسة المشكلة تكمن فينا أنا والشيخ عبدالله الساسة وكل الساسة أمثالنا أنا إذا أدركت بوجود خطر ما يهدد مصلحتي الذاتية ألجأ إلى الشحن الطائفي أنزل إلى التربة استثير مشاعر الناس أزرع في نفوسهم هاجس الخوف من الآخر.
نفس الموقف يجسده الشيخ عبدالله في خمر إذا أحس أن مصالحه مهددة فنحن إذا الذين نهيج الناس ونغرس في أذهانهم

قد يعجبك ايضا