أسرج شمعة وألعن الظلام
جمال أحمد الظاهري
جمال أحمد الظاهري –
aldahry1@hotmail.com
حين تكون الشمعة هي الونيس والجليس الوحيد الذي يسامرك ويبدد الظلام الذي يفرض نفسه عليك وعلى محيطك الصغير الذي تقبع فيه حينها يداخلك إحساس آخر تشعر معه بأن هذه الشمعة كائن حي يعيش معك اللحظة بكل تفاصيلها ويغوص معك في لجة الهموم اليومية التي تحييها العتمة المحيطة بالمكان.
حين يختفي الرفاق ويحتجب الندماء ويقفل الأصحاب على انفسهم الأبواب ويعتذرون عن الحضور للسمر معك لأن الشوارع مقفرة والسواد يلف الأزقة ويبتلع الوجوه تكون هي أوفى الأصحاب والملاذ الأخير الذي تلجأ إليه وتأنس لمسامرته وتبث إليه شكواك وتطلعه على همومك دون أن تنطق بكلمة أو تهذي بحرف أو تغمز بضمة أو تصرخ بفتحة فقط بتلك النظرة المكسورة بالعلة التي لم تجد لها دواء تتبادل معها الحديث انت تسرد أو تشكو وهي تهز لك رأسها كي تشجعك على المواصلة والاسترسال في البوح وكلما تعمقت أكثر في تذكر همومك ومن فقدتهم وكيف انقلبت بك الأحوال وكم باعك الناس ومن هجرك من الأحباب تشعر أنها تحس بك وتتعاطف معك وتتفهم شكواك ومع تلك الدموع التي تسيل على جسدها تشعر انها حية ولها روح تشعر بالآخرين وتشاركك آلام الاحتراق الذي لا مناص ولا مفر منه إن كان قرارك هو عدم الاستسلام والصمود رغم مخاطر الطريق التي غصت بالمنتفعين من الظلام.
كم انتن وفيات ايتها الشموع المحترقة في أكف الأطفال والعجزة والمرضى وعلى مكاتب الطلاب كم انتن وفيات حين تضحين بأجسادكن حرقا كي تزحن الظلام وكم هم ذميمون حين يقطعون أسلاك الإنارة على بني جنسهم!
اليك ايتها الشموع المجاهدة في كل غرفة وفي كل ممر وعلى كل مكتب وفي كل موقع وجبل أنتن الأحياء وهم الرفات أنتن العطاء الذي لا ينضب وهم الغرابيب السود أنتن خلاصة الجهاد وما بقي من الدعاة وهم السم الزعاف فلكن نرفع القبعات وعليهم نسدل الستار ولكن تكنس الساحات وتعطر الميادين ويقام الحفل الكبير وتنصب تماثيل الخلود وعليهم لعنات الوالدات وسخط الرب ووزر المغرر به في المحيا والممات.