ارتياد شواطئ (أنات قصيرة جدا)

مجيب أحمد السوسي

مجيب أحمد السوسي –
المجموعة القصصية الثالثة للكاتبة/ سماء الصباحي
ليس للأنات شواطئ قصيرة كانت أم مديدة وهي على حد زعمي مترفة الأبعاد لأنها طالعة من تحت الجلد الآدمي من ثنايا الإحساس.
والإحساس – كما نعلم – من مرتكزات الجملة العصبية الأعلى نبرة وحضورا عند المخلوق البشري.
الكاتبة في عنوان مجموعتها القصصية هذه ومهما حاولت تقليص حجم الأنات على غرار قصص قصيرة جدا فإنها لن توازي في سياق رقصة القص- مع ارتطام الأنات بحواجز القفص وهي- أي الأنات- قادرة على اختراقه وتحطيمه وإزاحته وبالتالي تنطلق لتسبح مع العتمة أو الضوء أو مع ذرات التكوين للحلول مرة أخرى في جنبات الأنفس الأخرى وزلزلتها أو خلق اضطرابات فيها.
هل أرادت \سماء \ أن تقول شعرا أم لم تستطع أن تسمي الأشياء بمسمياتها¿
وهي آثرت أن تضعها في حقل القص القصير جدا موقنة أنها تدلو بدلوها الأدبي بين سيولة لا حصرلها من أشكال ومضامين حقول الأدب الحديث.
القصة- في رأيي- وإن كانت ثلاث مفردات يجب أن تعني حدثا وينبغي أن تطوف نكهة الحدث هذا على المتلقي لتفعل فعلها عنده والقصة القصيرة جدا لابد من أن يكون في حمولتها الفعل الماضي أو الحاضر أو المستقبل… فمثلا:
(أسدل الستارة ثم بكى حين تذكرها)
وفي الزمن الحاضر:
(اصمتي الآن.. أجمل من كل هذا الحديث.. حديث يدينا)
وفي المستقبل:
(يتسامى ودك لكنني سأنتظر اكتماله)
لقد تداخل فن القصة بفن الشعر- كما أحسب- ولا عيب في تنامي الفنون وتعاضدها . شريطة امتلاك القدرة والأدوات التي تستطيع أن تضع دوائر في بحيرة المتلقي أو أن تستفز عذويته أو ملوحته.
لن أعارض لو أن الكاتبة عنونت أغلب نصوصها أو أدرجتها تحت مسميات الشعر ففي شرايين النصوص الدقيقة هذه نكهة لخلوة الشعر وتشظيه..
سماء الصباحي في مجموعتها هذه أنيقة المفردة- كما هي أنيقة التكوين -(فأسلوب الشخص هو الشخص ذاته) وسماء- كما رأيت- حيية في ايصال قصصها وحييه مرتبكة في حضورها المنبري في تسويق منتجها لكنها ليست كذلك في إشاعة الآخر أو تنضيده أو تفنيده حتى ليكاد أن ينقلب هذا الحياء إلى خجل جم.. وكأني بها تشعر أن كثيرا من الانتقادات توجه إليها في ذات اللحظة.. وهذا إفراط جم أيضا في الرهافة وامتلاك الحس المتوتر.
مهما يكن من أمر.. فنصوصها بين أيدينا في محكمة أقرب الى الانطباعية أو الشفوية مع أن سلة الآراء والقراءات للجميع واسعة وفضفاضة..
لابأس على سماء أن تداعب المفردات في تقديمها الشخصي لقصصها:
لكل منا أناته..
ينزفها »بصوت«..
أو »يصرخها« بصمت
وكلاهما مؤلم..
إنها ترغب أن تعلق القارئ في أن يكمل متابعة قواربها اللطيفة.. في محاولة جادة لتشيك فنية الانزياح اللفظي أو تذويبه في كأس ممتلئة بسوائل متعددة النكهات.. حلو.. ومر.. ومختلف لكنه مستساغ..
إنها في عملية الأضداد تخلق البهر لدى المتلقي فهي تطرح الحالة الاجتماعية والإنسانية وترفع الغبار عن التراكمات الممضة في آن معا.. لاحظ معي قصتها الأولى في المجموعة:
(أهدته قلبها مغلفا بحبها وأشواقها..
ففضه ممزقا بانشغاله ولا مبالاته..)
إنها توصف الانكسارات في العلائق وتمنح الارتطامات بعدها المجنون أو التآلف أو الانفصامي أو القلق أو النرجسي أو حتى الخالي الوفاض.. المهم إنها كثفت المفردات والحدث ونقلت العالم مصورا بجمل فنية لها ارتدادها وأثرها وهي تتبنى في ذلك فكرة (الافتقاد) للملامح الشفافة أو للوجدانيات النبيلة..
ثمة أسئلة كثيرة تطرحها المجموعة والشعر ليس هو الكفيل دائما بإيجاد الحلول بل هو أقرب إلى خلق الغموض لتوتير المشهد أكثر (والقصيدة وردة ما ليست مضطرة لأن تشرح للناس عبيرها) كما يقول نزار قباني.
وهنا لي الرغبة في أكثر من قصة لدى الكاتبة أن تودعها في سجل الشعر..
الخفق الآدمي متوضع خلف كل قصة من المجموعة ليس هناك من جماد أوتصحر أونأي.. بل إن ظلال المشاعر تتحرك بشغف مع كل قصصها ويبدو أن الكاتبة أيضا تتقمص شخصية حكيم هرم قتل الحياة خبرة وتجربة ففي نص لها تقول:
نعيش الألم معتقدين أنه جزء من الحياة..
وحين يشارف عمرنا على الانتهاء..
ندرك أن الحياة لم تكن
سوى جزء بسيط منه..
ذلك أن أحد الحكماء قال:”الحياة حلم والموت يقظة” وهنا أود القول: إننا جميعا نستعيد في كثير من الأحيان منتج الماضي بطريقة جديدة أو باسلوب مغاير ويؤكد الشاعر العربي نزار قباني هذا المعنى بقوله: (نحن نثبت تواقيعنا على نصوص غيرنا ممن سبقونا).
ودعوني أسجل ما يسمى (ببرقيات الومضة) التي اتخذت سبيلها إلى نصوص الأديبة سماء الصباحي وعسكرتها على ذروة الإحساس وتبين لي أن توظيفها لهذه البرقيات قد أفلحت في معظمها تقول في نص كامل:

قد يعجبك ايضا