سرعة استقرار الأمن في تعز

عبدالاله تقي

عبدالاله تقي –
كنت شديد الاهتمام بمراقبة تطور الأوضاع الأمنية في مدن الجمهورية بعد بدء تنفيذ المبادرة الخليجية لكن شدني سرعة استتباب الأمن في مدينة تعز بنسبة 90% إن لم أكن مبالغا خلال فترة وجيزة في وقت شديد الصعوبة وفي مدينة شهدت أخطر انهيار أمني في البلاد وكان مجتمعها أكثر المجتمعات اليمنية تباينا سياسيا. بدأت بالتركيز على حالة تعز بشكل مركز ومفصل عل خطوات تلك الحالة تفيد المدن الأخرى.
عوامل النجاح
تميزت الخطة الأمنية بتعز بانتهاج مقاربة نادرة التطبيق في بلدان كثيرة لمراعاتها الظروف المتباينة والصعبة في المدينة حيث ارتكز الأمن على مفهوم يسمى «الأمن المجتمعي» وهو الذي يتأتى ويستمر في مثل هذه الظروف بالاستناد أساسا على تطبيق إدارة أمن تعز استراتيجيات لا يتحقق الأمن المجتمعي إلا بتطبيقها وهي استراتيجيات الاتصال المجتمعي التفاعلي (تفاعلات عاطفية وتقوية علاقات وروابط) وإدارة الصراعات (فهم طبيعة البيئة الصعبة وثقافة الأطراف ذات العلاقة وتعدد الحلول بتبني الاطار الديني والقبلي والتقليدي وأساليب التعامل مع الحالات الطارئة والاحتمالات غير المستحسنة المؤثرة في الصراع الاجتماعي السياسي الواسع والمعقد) وركائز وعوامل التخطيط الاستراتيجي الفعال (التخطيط العام لكل مكونات التخطيط) والاستفادة من البيئة المحيطة التي تنطوي على عوامل قوة مساندة لتحقيق الهدف والفرص المتاحة التي يمكن استخدامها لتحقيقه والعوامل السلبية والمهددة أمام تطبيق الخطة والمرونة مع الذكاء والوفاء بالوعود مع كل فئة من الفئات التي سيتم التعامل معها. وكانت تلك الخطط تهدف بشكل رئيس إلى الوصول إلى «اتفاق مجتمعي مجمع عليه» يهدف إلى الالتزام بـتحقيق الأمن سويا مع جميع الأطراف المرتبطة بتحقيقه يتبعه إنفاذ الاتفاق ولو بالقوة.
وقد بدأت إدارة الأمن بتنفيذ الخطط الأمنية على مرحلتين (اجتماعية ثم أمنية) أحاطتهما تحديات الاحتقان وتربصات الانتقام والواقع السياسي القائم إلا أن المرحلتان نجحتا إلى مدى كبير بفضل نجاح الخطة في ربط أغلب المكونات الاجتماعية والأمنية والحكومية ببعضها البعض وإعادة الثقة بين معظم أطرها المتباينة التي شهدت خصومات شديدة لم يتخيل أحد أن تصل تلك الثقة إلى تلك القوة في تلك الفترة القياسية.
على ما يبدو فإن الخبرة التخطيطية والتنظيمية السابقة لمدير أمن المحافظة العميد علي السعيدي في إدارة إحدى الانتخابات السابقة وقدراته الاتصالية التي شاهدناها عبر مقاطع الفيديو قد ساهمت في سرعة قطف ثمار الخطة الأمنية للمدينة بعد أن إطمأن المجتمع التعزي إلى نوايا الرجل منذ زياراته المبكرة لهم منذ الأيام الأولى لتعيينه في أوائل فبراير تقريبا.
المرحلة الأولى
لقد تركزت أهداف المرحلة الأولى على تحقيق هدف رئيس وهو الوصول الى إجماع مع كافة أطراف تحقيق الأمن على تحقيقه. وقد تم الوصول الى ذلك الهدف عبر تحقيق ثلاثة أهداف مجتمعية فرعية أولها إيجاد تغيير في نظرة أفراد الأمن ثم الدوائر الحكومية نحو مهامهم المستقبلية القائمة على أولوية الحفاظ على الأمن العام للمدينة والمواطن وثانيهما خلق الثقة بين أفراد الأمن وهم أداة الأمن وبين أفراد المجتمع الذي كان بعضه أو أغلبه معاديا لهم في السابق القريب وثالثهما استخدام كافة الخيارات الاتصالية المجتمعية الممكنة لضمان التفاعل المجتمعي الموحد والمطلوب من كافة فئات المجتمع بما فيها الأفراد وقادة المجتمع ورجال الدين والصحافة والمنظمات المجتمعية والجماعات القبلية المسلحة (ذو الاتجاه المنقسم على نفسه سياسيا بشكل حاد) لينتج التزاما مجتمعيا موحدا نحو التعاضد لتحقيق أمن واستقرار مدني يقوم على نبذ العنف السياسي والقضاء على المظاهر العامة المسلحة والجريمة.
وقد تحققت كافة تلك الأهداف بعد جهود شخصية مضنية بذلها السعيدي وغطتها الوسائل الإعلامية المختلفة ولم تحتاج جهوده تلك خلالها إلى الدعم الحكومي الذي لم يكن متوفرا يومها بل إلى علاقاته بأطراف الثورة والشارع التعزي الذي عرفه من قبل نائبا برلمانيا مستقلا ثم مرشحا مؤتمريا. وعملت جهوده ونزوله الميداني واختلاطه واطمئنانه بما يمكن توفيره من احتياجات أفراد أمن المحافظة ثم تكثيف زياراته للمكونات الاجتماعية المختلفة في المحافظة لتحقيق كل أهداف المرحلة الأولى بحيث عملت على اكتسابه إعجاب أهالي تعز مبكرا وتداولهم زياراته وأخبار جهوده على أخبار الصحافة ومقاطع الفيديو ووسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة كونهم وجدوا في جهوده تلك ثمارا سرعان ما نضجت باتفاق إجتماعي واسع لجميع المكونات الاجتماعية على ضرورة تحقيق تلك الأهداف وليس استخدام القوة المفاجئة في الوقت الذي لم تتفق فيه تلك الأطر المتباينة بعد على أي رؤية مستقبلية أو أسلوب لإنهاء خلافاتهم القائمة. بعدها سرعان ما بدأ الهدوء في الرجوع إلى شوارع المدينة في وقت لم يكن يجرأ فيه

قد يعجبك ايضا