خارج نطاق التوعية
جميل مفرح
جميل مفرح
جميل مفرöح
من دبات الغاز المعبأة بالماء والهواء إلى البنزين المغشوش بالماء والكيروسين ومشتقات أخرى أرخص ثمنا أو أكثر توافرا.. وهكذا نتفنن في عمليات الغش والخداع والابتزاز ونتلذذ في تذاكرها وربما نثني بقصد وبغير قصد على الأذكياء الذين ابتكروها وتفننوا في ترويجها لتنطلي بسهولة علينا وعلى غيرنا وكأننا إنما نروج لثقافة الخداع والابتزاز وبالتالي نكرسها دون أن ندري بعد أن تحولت من ذميمة ونقيصة سيئة في ثقافتنا الدينية والاجتماعية إلى صفة حسنة بفعل تعاملنا السلبي تماما معها.
كنت في الأسبوع الماضي قد كتبت مقالا تحت عنوان “أزمتنا أننا نبحث عن أزمة” وكان ذلك حول الوضع السياسي الراهن في بلادنا وهو رأي أو حكم أعتقد أنه ينطبق على مجتمعنا اليمني في مختلف مجالات الحياة سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وهو ما ينطبق بالفعل على الشاهد الوارد أعلاه من نواح عدة أولها الثقافي والاجتماعي وتكريس العيب والسلبي على أنه شطارة وذكاء ومهارة.. ما يعكس انطباعا بإمكانية وربما ضرورة الاقتداء..
في الجانب الاقتصادي لفت انتباهي بشدة في حالة أزمة توافر المشتقات النفطية وعلى رأسها مادتا البنزين والديزل التهافت المخيف على هادتين المادتين فهو تهافت مبالغ فيه إلى حد ما في أعظم الأحيان وهو بدوره ما يعزز ويكرس حالة الأزمة والتأزم.. فحين يكون الفرد المستهلك في حاجة إلى عشرين أو ثلاثين لترا في الأسبوع تجده يبتاع مائة أو مائة وخمسين لترا وتجده وقد جند معظم أفراد أسرته للحصول على هذه الكمية الزائدة تماما عن حاجته الاستهلاكية في مساحة زمنية معينة وهو بدوره ما يحدث اختلالا في عمليتي العرض والطلب وبالتالي يضع اللمسات الأولى لإحداث الأزمات وذلك ذاته ينطبق على الكثير من المواد الاستهلاكية وبالذات منها المواد الأساسية.
أتذكر أنه قبل عامين تقريبا حدث – ويحدث بين فينة وأخرى – أن روجت الشائعات حول ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال أيام قادمة.. هكذا انطلقت هذه الشائعات وسرت كالنار في الهشيم ما دفع الكثير من المواطنين إلى الإقبال المبالغ فيه على هذه السلع وما أدى إلى اختفائها خلال أيام قليلة جدا من الأسواق والبحث عنها بأي سعر وهو بدوره ما خلق تخوفا لدى التاجر الصغير ولدى التاجر الكبير وتراجع تداولها وأغلقت المخازن التي تحتوي عليها بهدف التربح والمساومة والابتزاز وبالتالي نجد ببساطة أن لنا يدا طولى في إحداث هذه الأزمة ولنا دور كبير وحساس في رواج عمليات الغش والخداع والابتزاز التي نتعوذ منها ونعدها سلوكا شائنا في ثقافتنا..
سلوكيات وتصرفات كثيرة مشابهة نفتعلها بأيدينا وبكامل إراداتنا مع علمنا علم اليقين أننا من سيكون ضحيتها وهدفها المباشر.. والأسوأ من ذلك أننا نوفر المساحة المناسبة للغشاشين والمبتزين والمخادعين لامتصاص دمائنا وتهديد استقرارنا وهدوئنا بأعمالهم الشائنة التي يترزقون ويتربحون من ورائها من قوت ومعاش المحتاجين ومحدودي الدخل والفقراء الذين يمثلون الهدف المتضرر من هكذا أعمال وتصرفات.
إن منظر المواطنين المتزاحمين على براميل الوقود المنتصبة على قوارع بعض الشوارع لشراء هذه السلعة بأربعة أو بخمسة أضعاف قيمتها الحقيقية أمر يبعث على الأسف والتحسر على ما يمكن أن يتقبله المواطن اليمني الذي تتقاذفه الأزمات من يد لأخرى وبالتالي يضع تساؤلا ملحا حول دور الجهات الرسمية المتخصصة والرقابية والتوعوية أيضا لوضع حد لما يعانيه مجتمعنا البسيط الطيب من أزمات مفتعلة وملاحقة أولئك المتاجرين بدمائنا لما يقومون به من أفعال مشينة إن لم يكن في صناعة وحياكة الأزمات ففي عمليات الابتزاز وامتصاص دماء الأبرياء من حيث احتكار وبيع السلع الاستهلاكية بأضعاف أسعارها الطبيعية وإن لم يكن ثمة إمكانية لمعالجة ذلك فلماذا على الأقل لا يتم ملاحقة من يقومون بعمليات الغش والخداع باعتبارها عمليات محرمة وغير مشروعة يعاقب عليها القانون والشرع!! أو على الأقل أليس على الجهات المختصة أن تقوم بعمليات التوعية وتحذير المواطنين وإرشادهم إلى القنوات والسبل السليمة للحصول على ما يسد حاجتهم الاستهلاكية والتوعية بأضرار عمليات التهافت واختلال ميزان العرض والطلب لتجنب مثل هذه الأزمات التي أصبح افتعالها أسهل الممكن.. والله من وراء المبتغى والمقصود.