رواية »موبي دك«.. الأساس النظري لصناعة الإرهاب

حسين حسن السقاف

 - حسين حسن السقاف
حسين حسن السقاف –
الأدب هو إبداع إنساني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ووجد الأدب وتفتقت عنه قرائح الأدباء للتخفيف من ألآم الأمم والشعوب وأحزانها لتبعث فيهم روح التآخي والمحبة ونشر الفضيلة فيما

بينهم لذلك فأن الحدود والجغرافيا والتاريخ والأديان والقوميات وكل الاثنيات تذوب في الأدب فكل إنسان سوي يطرب للنغم الشجي واللحن الحنون والكلمة الجميلة بل ان ذلك يميز الإنسان

عما سواه لذلك فإن الكثير منا يعرف شخصية روبن هود و دون كيشوت وجان فلجان و أحدب نوتردام و باسبرتوت و الكابتن آخاب هؤلاء هم من أبرز الشخصيات التي صنعها كبار

الروائيين في الغرب في روياتهم التي تعد بحق من عيون الأدب العالمي فاحتلت هذه الشخوص مكانة في ثقافة الكثير من أجيال العالم غربا وشرقا مخترقة بذلك كل أنواع الحواجز كان ذلك

اعتبارا من ميلاد الرواية الأولى »دون كيشوت« للكاتب ميجيل سرفانتس في القرن السابع عشرحتى يومنا حتى انه صنعت لبعض هذه الشخصيات في الكثير من العواصم والمدن تماثيلا

تخلدهم رغم أنهم من نسج خيال أولائك الروائيين وليس لها في كثير من الأحيان صلة بالواقع وقد تزايد الشغف بهذه الشخصيات بعد ان تم تحويل تلك الروايات إلى أعمال درامية و أفلام

تهافت عليها الجمهور في دور السينما والمسرح وتم تحويلها إلى أعمال درامية كرتونية للأطفال فبثتها معظم المحطات الإذاعية وبعد ذلك محطات التلفزة والقنوات الفضائية .
ما سنتناوله عزيزي القارئ هو توظيف يشذ بالأدب عن مساره الإنساني وغاياته النبيلة ..سنتناول – بإيجاز بالغ – رواية (موبي دك) للروائي الأمريكي »هيرمان ملفل« كأساس لفكرة صناعة

الإرهاب الذي رزح تحت وطأته العالم المتقدم في الغرب ولا زال يرزح تحت وطأته الأكثر قسوة – العالم المتخلف في الشرق . كما سنتناول شخصية الكابتن آخاب وهو الشخصية الطاغية

والمحورية المصرفة لأحداث هذه الرواية وسنتناول أيضا توظيف رمزية الحوت الأبيض في هذه الرواية وعلاقتها بموضوعنا.
لقد نشرت رواية »موبي دك« في عام 1851م ولم يلقى لها في بدائ الأمر بالا و انصرف الناس حينها إلى قراءة توأمها »روبنسون كروزو« للكاتب الانكليزي »دانيال ديفو« غير أن »

موبي دك« أصبحت فيما بعد من أبدع كلاسيكيات الفن الروائي الأمريكي بل والعالمي ووصفت بأنها أفضل رواية عرفها القرن التاسع عشر ويبلغ عدد صفحاتها في نسختها المترجمة إلى

العربية, ووصفت الرواية بأنها ليس عملا أحادي المعني والدلالة ففي قراءتها أو في قراءاتها المتكررة تفتح أفاقا واسعة الدلالة والتأويل وقد برع الكاتب »هرمان ملفل« في رسم شخصية

الكابتن آخاب وبرع في وصف مغامرته وصلفه وحماقته وتهوره . لقد صور الكاتب القبطان بأنه أسير فرديته وذاتيته وصور سعيه الحثيث إلى فرض سيادته المطلقة وتنصيب ذاته نظيرا

للحقيقة ومثيلا للمطلق في إشارة إلى حالة اجتماعية تسقط شرها على الخارج وتدمغه بكيان واسما بديلا لتبني على أنقاض عالمها عالم آخاب الفضيل المطلق (بحسب تفكير آخاب).
تنطلق الرواية من منطلقات دينية لاهوتية شأنها في ذلك شأن الكثير من الأعمال الروائية المتقدمة فبطل الرواية آخاب قد لبسه شعور بأنه رسول الخير ووسيط النعمة الإلهية لينطلق بعد ذلك

في رحلة عنيفة لا تعرف هوادة في مطاردة الحوت الأبيض الضخم بعد ان اعتبرته نرجسية الكابتن شرا مطلقا ليخوض الكابتن من أجل ذلك غمار البحار في تعقباته للحوت الأبيض ومعه من

كان في سفينته رغما عنهم ليصل به الأمر في نهاية المطاف إلى التكسر على أعتاب أفكاره المستبدة ويبقي الحوت الأبيض حرا طليقا مواصلا سيادته للبحار. فترسم الرواية صورة الذات

التي زينت لها نرجسيتها شهوة الانتقام. فآخاب شخص ضل سعيه في حياته ليصنع الباطل في حين يتملكه الشعور بأنه الخير الذي يجب فرضه على العالم من حوله بالقوة تحمل رواية »موبي

دك« معان متجددة تصلح للاستلهام في الحالات التي يشذ فيها العقل البشري ليعتبر ذاته دون سواه مالك الحقيقة وانه المصدر والموزع الحصري للفضيلة.
وعلى الرغم من أن الكابتن آخاب هو الوحيد من بين كل الشخوص في الأعمال الروائية الرائدة الذي لم يصنع له تمثالا مثل دون كيشوت وروبن هود وغيرهم حتى »أحدب نوتردان« رغم

دمامته المفرطة قد صنعت له تماثيلا وكان محط اهتمام الكثير من التشكيليين . و بديلا عن صناعة ثمثال للكابتن آخاب صنöعت شخصية حية تأكل وتشرب مماثلة لشكله رغم التعقيد

قد يعجبك ايضا