مقدمة ليس إلا

عادل عبدالإله العصار

مقالة


عادل عبدالإله العصار –

مقالة

عشرون يوما من عمر الحزن يقولون أنها مرت – منذ هوت الفاجعة من سماوات الغيب كصاعقة ذبحت سكينة القلب من الوريد إلى الوريد.
عشرون يوما في حسابات كل من عرفوا وأحبوا محمد العصار.. مرت بساعاتها ودقائقها المسكونة بالحزن والألم والأسى لكنها في حساباتي لم تتجاوز لحظة الصدمة الأولى لكن ومهما كان عدد مامر وعاشه الناس من الأيام والساعات أو تم تدوينه في أجندة الحياة وذاكرة الأيام فستبقى اللحظة الأولى من الساعة الرابعة من عصر يوم الاثنين 23/4/2012م هي ما أعيشه وعندها توقفت عقارب الزمن وتوقفت الأرض عن الدوران وتوقفت الذاكرة عن تدوين تفاصيل ما بعدها من تفاصيل.
مات محمد .. تمتمات أقرب إلى الهمس لكنها كانت أقوى من كل صوت سمعته وشعرت بصداها يملأ الأرض والسماء ويحول بيني وبين الهروب إلى اللامكان واللازمان.
سألت نفسي – ومازلت -: أي محمد ذلك الذي ذبحني فراقه وأي محمد ذلك الذي فطر القلب رحيله.. وأي محمد ذلك الذي سأظل أبكيه وافتقده وأسمع كلماته يتردد صداها ويملأ كل ما كان وكل ما سيكون..¿ أي محمد ذلك الذي امتلك القلب والروح غادر هذا العالم الذي كان بوجوده أكثر اتساعا وأكثر جمالا..¿!
هل هو محمد الولد البريء الجميل الذي سحرني بمغامراته وفضوله الطفولي لمعرفة واستكشاف الحياة ورسم لخطىمسارات في كل ما حولنا من تضاريس قبل الأوان¿!
هل هو محمد البطل الصغير الذي أخجل بجرأته الكبار وتحدى كائنات الأساطير التي سكنت العقول والخيالات ورسم الناس عالمها المخيف عند حدود القرية وأجمعوا على ولادتها عند مغيب شمس كل يوم .. أم أنه محمد الذي انتزعته أحلام أبي وذهبت به بعيدا لاستكشاف عدن مدينة البحر والدكة وتعلم كيفية رسم الحروف وقراءة الكلمات وفهم أسرار وطلاسم اللغة وعاد إلينا محملا بالحكايات والأناشيد ليرحل مجددا إلى بلاد الناس البعيدة ويختفي عن عالمنا الطفولي الجميل ومعه تختفي المغامرات والحكايات والأناشيد التي لم يكن لأي منا امتلاك مفاتيح خرائطها وانتظرناه طويلا ليكتب قصصنا الجديدة لكن الولد الجريء الجميل لم يعد وعاد محمد شابا لا يشبهنا ولم تستطع عقولنا فهم واستيعاب ما يحمله من فكر وطموح وأحلام.
هل مات محمد الشاب الذي عجزت القرية عن استيعاب وفهم ما يحمله من المعرفة وأجبرته الظروف على مغادرة دفء وحنان أمة التي طالما افتقدها واشتاق إليها ورحل مجددا ليصنع مغامراته الجديدة منفردا في صنعاء محطة انطلاق محمد الشاعر والأديب المثقف والصحفي المبدع.
في القرية ما يزال محمد الولد المغامر الجريء يروي الحكايات ويردد الأناشيد ويتحدى مخلوقات الأساطير ويكسر حواجز الخوف ويسكن العقول والقلوب والذكريات .. وفي صنعاء ما يزال نجم محمد الشاعر والأديب المثقف والصحفي اللامع يتلألأ في سماوات الشعر والأدب والإعلام والإبداع.. إذا من هو محمد الذي رحل عنا¿
هل هو محمد الذي أدخلني عالم المعرفة من أوسع أبوابه وأهداني تذاكر السفر إلى جمهورية أفلاطون وعالم الأغريق المليء بالأساطير والتعرف على آلهة الأولمب وسقراط وفيدياس وآخيل والأسكندر وقراءة ملاحم هوميروس وأساطير الحب والجمال ومناظرات فلاسفة الأغريق..¿
هل هو محمد الذي فتح أمامي أبواب الشرق القديم والجديد وعرفني بعظماء التاريخ ابتداء بحمورابي وجلجامش وانكيدو ونبوخذ نصر.. وانتهاء بإبن خلدون وأبن رشد وأبن سيناء وطاغور وغاندي وعبدالناصر ورسول حمزاتوف وديسكوفيسكي ولينين وماوسيتونغ و…. إلى ما لا نهاية من الأسماء والنظريات والأحداث.
هل مات أخي محمد الولد الجميل النبيل أم أخي الشاعر والأديب والصحافي .. أم أخي الأستاذ الذي قدم لي المعرفة على طبق من كتاب قبل بلوغي الحلم¿!
أم أنه محمد أخي الكبير الذي أغرقني في بحر من القيم والمثل والأخلاقيات..¿
هل مات أخي محمد الصديق الوفي والزميل العزيز..¿!
يا الله ما أصعب وأقسى وأمر اللحظة التي أشعر أني فقدت فيها كل هؤلاء.!!!

قد يعجبك ايضا