يوميات.. أفكار تشيع 

الدكتورة رؤوفة حسن


الدكتورة/ رؤوفة حسن

د/ رؤوفة حسن

أن تعيش وتتأمل دوما بعين بصيرة تزداد نضجا وخبرة مع الزمان تفهم قيمة التاريخ وتربط بين الأحداث ويقل شعورك بالتكبروالتميز والفرادة. نتعلم من الكتب ومن أصوات الأحياء في محيطنا للذين عركتهم التجارب وسبقونا في الخبرة ومن واقعنا الذي نعيشه لحظة بلحظة وتحفظه ذاكرتنا بقوة التدريب التي مرت بها بكل تفاصيله برائحة الأشياء وبدرجة حرارة وبرودة الألوان وبالحروف التي تكون الكلمات وبالنغمات والحركات والإشارات غير اللفظية المربوطة بالكلام. 

وكزرقاء اليمامة تحذر وتنبه قومك بين الحين والآخر حسب مساحة الصوت التي تملك وكزرقاء اليمامة لا يطيع قومك إلا أهواؤهم وينحدرون نحو دمار الذات المستمر دون حيطة ودون أي خط رجعة وتدفع رغما عنك معهم الثمن.

ويتكرر التاريخ فيدمع القلب وتحاول من جديد فتصرخ في قربة مقطوعة ويقل في كل أزمة عن سابقتها عدد من يسمعوك ويقول بعضهم ليت الذي جرى ماكان وليتنا استمعنا الى تنبيهاتها بعين العقل لكننا كنا ضحية معتادة للغة الحشد وللأفكار الشائعة وكنا نظن أننا هذه المرة نسير نحو خط سليم.

وتعود الكرة وتنكسر الجرة والدرس أشد قوة مما سبقه و يضيع مع المخاطرة الجديدة مستقبل جيل جديد وأحيانا أكثر ولا يمكن لوم أحد بمفرده. الإبداع والفن وحده يستمع يتشكل في قصيدة شاعر مستنير البصيرة أو تشكيلي  ينسكب في ألوانه أوجاعه وآلام أمة بكاملها أو ملحن يبدع صوت معاناته نغمات تغسل القلوب وتحذر العقول أو مثقف نادر الرؤية قادر في حروفه ومحاضراته على الرؤية خارج إطار النظريات المألوفة والفكر الماضوي أو العدمي.

وكزرقاء اليمامة لا يصغي للرسالة منهم سوى الندرة من أنقياء القلوب. أنا شخصيا تسجل حروفي تاريخي وتسجل شهاداتي مافاض فوق قدرتي على الصبر من كأس سم شهادات التاريخ  الآن بدلا فقط من جعل مذكراتي وتحليلاتي وأفكاري رهينة السخرية والهزء بعد الموت فقد تعبت من ردود الفعل العابثة على مدى حياتي.

وهذه الأيام مع جيل جديد بالكاد تهجي  ألف باء الديمقراطية فظن أن حكمته اكتملت تكتسح المنطقة العربية أفكار متشابهة تشيع مرة أخرى كموجة رياح عاتية تماثل سابقاتها في كل عقد أو أثنين أو ثلاثة أو كل جيل  تنذر وتهدد باقتلاع كل الجذور وتجاوز كل صوت عاقل أو مستنير.

الأمة في خطر:

كما في الصومال ومن قبلها فلسطين ومن بعدها العراق تأتي تونس ويمرشريط بدايات مخاض في مصر وفي الجزائر والسودان وأماكن أخرى تكون شهاداتي حولها مجروحة فأنا بعد لا أملك قدرة على عزل نفسي عنها والنظر من خارجها بحياد.

سوف كالعادة أدفع الثمن للنتائج القادمة وكالعادة داخل رياح تصم الآذان لا يسمع صوتي أحد ولا أنا شخصيا.الأمة كلها في خطر أشدها خطورة أن الناس نسوا الحروف الأولى للتهجي وكالطفل الصغير يتعلمون من حركتهم كيف يوازنون خطواتهم للوقوف وانتظار فرح الأم أو العائلة كأن لا سابقة لذلك. ولكي يعيدوا تراكم المعرفة ستضيع أجيال جديدة من جديد.

وكما نقل عن جيفارا حول الأحداث الكبرى أنه قال أن ” الثورات  يخطط لها المفكرون وينفذها المغامرون ويستولي عليها المرتزقة”. حاليا أرى المغامرين يحملون الراية ويكسبون المعارك ويثملهم الانتصار تلو الانتصار ويصم أسماعهم هدير صرخاتهم فلا يدركون أن كل ذلك سيصبح دون جدوى حين يحققون نصرهم النهائي ويحين القطاف للمرتزقة.

أصوات صماء:

قد تكون الدماء التي تنضم مع بعضها في جدول هنا وهناك لتشكل في النهاية نهرا دماء حقيقية حمراء أو مجازية بألوان قزحية إلا أنها جميعا ستسيل ولن ينجو من العاصفة أحد. صوت العقل المبحوح يقول ” تريثوا أعيدوا النظر قلبوا أبصاركم في الأرض والسماء كما يوصيكم رب العباد القدير وسيروا في مناكب الأرض إن شئتم أن تقارنوا”. وصوت جنون دم الشباب الفائر وصوتهم الهادر يقول ” للصبر حدود مع المدى قد قطع الحبل الحجر”.

هل تنجو اليمن من فوهة الهاوية كما أنقذها الله من قبل¿

هذه النجاة هذه الأشهر تحتاج الى كل كف مرفوعة الى السماء الى كل قلب مشفق وكل محب صادق وكل عاشق منصهر في ربابته يغني لربة الطهر والعفاف. تحتاج إلى آذان تصغي وعيون تشهد وقلوب تستنير وألسنة وأقلام تتحمل مسؤولية حروفها التي سيذكرها القادمون ذات يوم باللعنة أو الرحمة.

لك الله ياجنوب الجزيرة العربية من أقصى اليمن الى أقصاها فالله أشفق على الناس والله وحده المنقذ. لكنه خلق لنا الأسماع والقلوب والأفئدة ولا بد لنا جميعا أن نتعظ.

تأملوا معي قد تستطيعون بالتأمل رؤية الحقيقة.

raufah@hotmail.com

قد يعجبك ايضا