مشاهد يومية..دباب القراءة!!!! 

عبدالرحمن بجاش



عبدالرحمن بجاش

عبدالرحمن بجاش
{ عند ذلك المنعطف أشرت للدباب أن يتوقف فقد نويت صباح أمس أن أترك سيارتي وأنخرط بين الناس لأخرج بصورة ما أو بصور للحياة في الشارع لأسمع الناس ماذا يقولون¿ كيف يفكرون¿ ما هي همومهم¿
أول ما لاحظته أن الدباب لم يكن به أحد وإلى حد ما نظيف ويصر السائق على أن تغلق الباب خلافا لما نراه في الدبابات الأخرى حيث يصرخ السائق والركاب إن أغلقت الباب وهم معذورون وأنا معذور هم معذورون لأن الدباب دائم الوقوف ولم تخصص لهم مواقف معينة بحيث يمنعون من الوقوف في أي نقاط غيرها!! وأنا معذور لأن صدري – افتراضا – يؤلمني جراء استنشاق كل شيء خاصة والشتاء يغلف المدينة بضباب من غبار وعوادم سيارات ودخان حرائق الياجور وغبار الكسارات!!
لا أدري كيف ذهب نظري إلى صندوق صغير بين كرسيي المقدمة وعليه كتب «نادي أصدقاء الكتاب» فسألت السائق : ما هذا¿ قال مبتسما : هذا صندوق للكتب قلت : صندوق ولماذا¿ قال : هذه فكرة النادي أن يعمل على تشجيع الناس على القراءة وقد تفتقت الفكرة عن أذهان القائمين على النادي ووزارة الثقافة ورشحوا دبابات كثيرة وأنا ممن استهوتهم الفكرة ووافقت على أن أتحول إلى «دباب القراءة» وعدت – ولا يزال فمي مفتوحا من الدهشة والإعجاب – : وكيف استقبل الركاب الفكرة¿ قال : يتضاربوا مضاربة على الكتب وأشار لي أن أقرب أذني : وبعضهم من شدة إعجابه بما يقرأ فيسرق الكتاب الذي بيده قلت : والله لا يهم وعدت لأسأل : ومنú هي الفئات التي تقرأ¿ قال : والله النساء والأطفال وصار الدباب حقي مهوى القلوب والأفئدة كل واحد ما يشتي يركب إلا معي قلت : هوذانا طلعت ومابش احد قال : لأنني خرجت لتوي من منزلي القريب لم أكمل إلا وأياد كثيرة ترتفع : دباب دباب التحرير علي عبدالمغني وقف فتزاحم الركاب على الطلوع حتى اضطر السائق إلى النزول ليستأذن من الذين لم يجدوا مكانا لهم بأنه سيعود وعلى الدباب تزاحمت الأيدي تتخاطف الكتب وأنا أتابع المشهد بارتياح.
وصل الدباب إلى حيث طلبنا أن نصل وحين وقف السائق بصوت واحد رفضنا النزول فطلب السائق أن ننزل قلت : والله ما ننزل أكثر من مرة كرر على مسامعنا عبارات الرجاء استعطفنا في أن الركاب الآخرين ينتظرون ولأنني عبده العاقل قلت للموجودين : خلاص يا جماعة ننزل وهو يعدنا بأن يجلب غدا كتبا جديدة من نادي أصدقاء الكتاب ووزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب ومكتبات الأحياء عندنا وافقوا : إذا كان كذلك فلا مانع وبعد دفع الأجرة ذهب كل في اتجاه وعاد دباب القراءة للآخرين.
تسدل ستارة المسرح وفي مؤخرتها تظهر رويدا رويدا عبارة كتبت بخط عريض : «كما اشتصدقوا هذا ليس عندنا».
بالفعل لا تصدقوا لكن إذا كنتم من قراء مجلة «صباح الخير» المصرية التي لا تزال شابة وللعقول المتحررة ستجدون في العدد الأخير وعلى الصفحتين (70 و71) تحقيقا جميلا عن «تاكسي القراءة» والفكرة تتلخص في أن مكتبات (أ) واسمها كذلك تفتق ذهن القائمين عليها وفي سبيل المزيد من توسيع مساحة القراءة وتربية الناس على حبها خاصة الأطفال والشباب ولفت نظر المهمومين بالحاجة من الكبار فقد طرحوا على أنفسهم سؤالا : لماذا لا نجرب القراءة على التاكسي¿ فقاموا بعمل دراسة استمرت شهورا ورشحوا بعدها عددا من التاكسيات وتحمس للفكرة كثيرون وامتنع عنها آخرون «قراءة إيه يا عم بلا قراءة بلا زفت»!! لكن الذين تحمسوا قالوا إن الفكرة لاقت ترحيبا منقطع النظير وعلى فكرة فكثير من سائقي التاكسي في مصر خريجو جامعات ليس برضاهم ولكنها الحاجة ومع ذلك فقد استهوتهم الفكرة ويعملون على إنجاحها وعلى فكرة – أيضا – فالشعوب المتقدمة يندر أن تجد بينها على وسائل المواصلات منú لا يقرأ وقد كان هذا الهاجس هو الذي دفع المكتبة الكريمة لتحويلها إلى واقع ملموس واحسبوا كم هي الفوائد التي ستتحقق على صعيد القراءة وتوسيع دائرة القراء والمكسب المادي والمكسب الأخلاقي ولا تنسوا أن مصر تتميز عن بقية البلدان العربية – أمانة – بأن القراءة للجميع تعمل من أجلها الدولة ومنظمات المجتمع المدني.
لن نقول : هل بالإمكان ولن أكمل فقط أسألكم : هل سمع أحد منكم عن شيء اسمه نادي أصدقاء الكتاب¿ هو كيان سمعنا به ذات صباح ووجدت اسمي بين المؤسسين بدون أن يؤخذ رأيي وظهر مرة هذا النادي في حفل إشهار ثم اختفى كما اختفت أشياء كثيرة من بينها القراءة وفي الشوارع لا مكتبات وفي الطرق لا مكتبات متحركة على الأقل كنا نريد أن نستيقظ على شيء!!
 
 

قد يعجبك ايضا