محمد على أحمد السهماني –
الإسلام هو دين الحياة المرتبطة بالمجتمع ارتباطا جذريا يفرز صوره من صور التكامل والشمولية في مقومات هذا الدين الذي يحاكي مصالح العباد بمحاذاة عادلة لواجبات المسلم واستعداده لمواقف الآخرة ولا يمكن لأي دين أو ملة سوى الإسلام أن يقدم هذه الرؤية المتناغمة في الجمع بين نصيب الدنيا وحظ الآخرة … ومن هنا كان لزاما على رواد الفكر التنويري من العلماء والخطباء والمرشدين أن يواكبوا التطورات الوطنية التي شهدتها بلدانهم والتي يتصدرها في التاريخ المعاصر لليمن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر1962م
كون هذه الثورة المباركة علامة فارقة في التاريخ اليمني الذي شهد طي صفحة من صفحات التخلف والكهنوتية الرجعية لتعيد إلى الأذهان من جديد رابطاٍ تجديدياٍ جاء به الإسلام أول ظهوره حينما جاء ليقضي على الجهل والشعوذة وما يرافقها من حالات الدجل على عقول الناس في الزمن الجاهلي وهذا بالضبط ما جاءت به الثورة السبتمبرية لا لسبقها الإسلام في ذلك ولكن لتجديدها المبادئ الإسلامية وإظهارها على السطح بعد أن جرى تغييبها على يد من اعتقدوا حقهم في الوصاية على الدين وتحويل مساره التنويري المنفتح على الآخر إلى مسار آخر ومغاير لحقيقة الإسلام اتسمت مظاهره في تفشي الجهل والقهر والانزواء في دائرة التخلف والجهالة .
إن من أهم وسائل التوعية الدينية المؤثرة في أوساط الناس ملاءمة المنهج الإرشادي للتطورات والتحولات الحياتية ومراعاة التغيرات المجتمعية في البلدان المسلمة وواجب الدعاة هنا محاولة ربط هذه القيم والمعاني الوطنية وأذكر منها على سبيل المثل لا الحصر ( ثورة 26 سبتمبر – 14 أكتوبر – 22 مايو ) بمبادئ الإسلام التي تدعو إلى الحرية والاستقلالية والوحدة والترابط المجتمعي المسلم في إطار ) ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) وعلى أساس متين ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم … الآية ) ولاشك أن الاقتباس الخطابي للمناسبات والاحتفاليات الوطنية ينسجم مع أخلاقيات الإسلام واحتفائه بالأحداث التاريخية والمناسبات الاجتماعية التي شهدها الرعيل الأول من الصحابة الكرام بداية بالاستبشار بالنصر المؤزر في غزوة بدر مرورا باحتفائية القرآن بفتح مكة إلى غير ذلك من المواقف التي حرص الإسلام على تأكيد قيمها ومعانيها في نفوس المسلمين وكان لها الأثر الملموس على تكوين وإرساء الدولة المرتبطة بتاريخها وأحداثها الخالدة وهو ما انعكس إيجابا على الأجيال القادمة . ان الواقع الذي نعيشه اليوم يحتم على دعاه منابر النور والإيمان على وجه الخصوص أن يخاطبوا الناس بلغة الساعة وأحداث اليوم بصوره مباشره ولم يعد المجال لائقا ولا حتى مقبولا أن يصر بعض الخطباء على تناول الخطب الروتينية المستوحاة من المدونات والمخطوطات القديمة التي كانت تتناول مشاكل وقضايا تلك العصور والأزمنة المختلفة والمغايرة لواقعنا تماما كما لم يعد كذلك من المناسب أن نظل ندندن على خطب الصلاة والوضوء وغيرها من المسائل المعروفة وإن كانت مفيدة في بيئة دون أخرى على خلاف الريف دون الحضر المتفقة في مسائل الدين لكن لا يعني هذا عزوف بعض الخطباء عن هذا النوع من الخطب كلية والعكوف على الضد منها مباشره على غرار الخطب السياسية ومشاكل البورصة والأسهم العالمية في بلد إلى اللحظة لا توجد فيه مثل هذه الوسائل الاقتصادية إلى غير ذلك من القضايا التي أعد لها بعض الخطباء خطباٍ متسلسلة كان عنوانها البارز اتساع ثقب طبقة الأوزون خارج الكرة الأرضية في حين أن هذا الخطيب يظن من نفسه أنه يواكب متغيرات العولمة ويناقش مشاكل العالم وأصبح خطيبا ملهما عصريا انتقل بخطابه إلى خارج الكره الأرضية ونسي مشاكل وهموم قومه وكأن اضطرابات زعزعة الوحدة اليمنية على سبيل المثال ليست من صلب اختصاصه كخطيب يدعو إلى وجوب الوحدة والالتفاف حولها ووجوب المحافظة عليها كونها من الثوابت الوطنية والدينية التي جاءت بمعنى الاعتصام والقوة وبالمقابل فإن تضمين الخطب الدينية بعدد من الأفكار والرؤى المستنبطة من الأعياد الوطنية كونها الخطوة الأولى في خلاص الناس من حكم الكهنوت السلالي المتوارث في الشمال قبل الوحدة وطرد المستعمر الأجنبي المحتل من الجنوب من الأهمية بمكان في رسم صورة حقيقية للناس كيف كانوا وكيف أصبحوا للوصول إلى الفارق الطبيعي بعد ذلك ولا مانع أن يتناول الخطيب والداعية أوجه القصور والأخطاء المصاحبة لما بعد الثورات وحتى تلك التجاوزات المخلة بعد تحقيق الوحدة بشرط أن يكون الطرح موضوعيا هدفه النقد البناء والمساهمة في إيجاد الحلول ….والخطيب المفوه والحكيم هو وحده من يستطيع تطعيم خطبة وإرشاداته التوجيهية والتوعوية بهذه المضامين الوطنية السامية وأجزم أن لا صعوبة في تحقيق ذلك كون المكتبة الإسلامية في المتناول فالتراث الإسلامي القديم والمعاصر كفيل بتقديم الشواهد والأمثلة والنماذج المثلي لهذه المواضيع ناهيك عن مواقع الإنترنت التي أصبحت في متناول أغلبية المهتمين بالخطاب المسجدي وفيها سهولة كبيرة لمعرفة ما يمكن معرفته من قضايا وبرامج هادفة ومناسبة إن قناة إعلامية مؤثره كرسالة المسجد لا يجوز لنا جميعا أن نحول رسالتها أو أن نستأثر بمدلولها الديني الأصيل كونها رسالة العظماء يصدحون بها علانية في وجوه الناس التي تأتي لسماعها والتسابق على صفوفها الأولى على الأقل في كل أسبوع مرة بكل طواعية واستجابة لكلام الخطيب والمبلغ الذي شرف بتبليغها وإيصالها دون تعصب أو انتماء لفئة على حساب أخري بل بالتجرد التام عن التبعية والمذهبية والحزبية المقيتة ولابد أن يفقهه كل خطيب ومرشد أن الله تعالى أمر الرقاب على اختلاف أحسابها وأنسابها ومناصبها على حد سواء أن ينصاعوا لموعظة الواعظ ورسالة الخطيب وعدم إثارة الكلام إلى حد الهمس ومس الحصي أثناء إلقاء الموعظة فمن تكلم فلا جمعة له وهذا النوع من وجوب الصمت والتأدب مع ما يلقيه المتكلم أثناء الخطبة ما لا تحوزه أي شخصية مهما كان قدرها ومهما كانت نوعية حديثها ثم إن هذا النوع من الأوامر الفضلى في شريعتنا خصصها الله في أفضل البقاع والأمكنة وهي المساجد وهذا ما يجعل من رسالة الخطيب قدسية كبيره تبدأ بحديثة ووعظه في أطهر البقاع وهي المساجد وتنتهي بوجوب الصمت أثناء الخطبة وللمستمع الحق في انتقاد ما تناوله الخطيب بعد تمام الخطبة ولكن لا يجوز له ذلك أثناءها ….فهل يعي معاشر الخطباء هذه القيمة الفعلية لدورهم في المجتمع وأنهم ورثة الأنبياء ونماذج البشر ومتصدري الكلام الإلهي والنبوي المقدس وأنهم حملة الأمانة التبليغية وإيصالها إلى الناس دون توغل ولا تنطع أو تشدد أو تعصب …أجزم لو أن كل خطيب فينا وقف مع نفسه وحاورها بهذه الأسئلة مجتهدا في حصوله على الأجوبة التي لابد إن يقارنها بتصرفاته وتعامله مع المنبر سنصل جميعا إلى خطابا تنويريا ومؤثرا ينسجم مع متطلبات الناس ويعايش احتياجاتهم ويعزز من قيم صلاح أخلاقياتهم برسمه طريق الهداية والاستقامة في قادم حياتهم …وعندها يمكن أن نضمن غياب خطب التطرف والتعصب والدعوة إلى التهييج وغرس ثقافة الكراهية ونبذ العنف والانتقام ….وهلم جرا من الخطب التي يكون صاحبها مندهشا من تكوينات الذرة النووية ومستمعيه الذين ترتفع هامتهم إليه مشغولين ومهمومين بقيمة الكسرة من الخبز والقطرة من الدواء وقد نجد من بعض الخطباء إلقاء خطبة يظن أنها عصماء وهي تتناول مظاهرات دول العالم ومنها العربية والإسلامية في حق ما تعرض له النبي الكريم من أساءه وما حصل في هذه الاحتجاجات من القتل والنهب والسلب للسفارات والقنصليات على صيغة من يقول ( لله در هؤلاء ) وياليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما ويتناسى هذا المسكين أخلاقيات الرد المناسب والأعجب من ذلك أنه على بعد أمتار من موقع الخطيب المتكلم الفصيح يشكو الناس من قطع الطريق وانتهاك المحرمات والتعدي على الممتلكات الخاصة والعامة . نسأله تعالي أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق فإنه لا يهدي إلا أحسنها إلا هو ….والله الموفق.